سلط تقرير نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، الضوء على عمليات الخطف والتوقيف المتكررة لنشطاء وصحافيين في ليبيا، وجرائم «الإخفاء القسري» المنتشرة بالبلاد وخاصة المتعلقة بواقعة رئيس فريق المصالحة الوطني الشيخ علي أبو سبيحة البالغ من العمر ثمانين عامًا، والذي تم اختطافه على يد مليشيات تابعه للمواطن الأمريكي خليفة حفتر منذ 91 يومًا، وسط انتقادات حقوقية بسبب عدم إخضاع المتورطين فيها للمحاكمة.
ويقبع رئيس فريق المصالحة الوطني في معتقلات ملييشات حفتر منذ ثلاثة أشهر.
اعتقال وخطف ثلاثة نشطاء وصحافي
كما شهدت ليبيا خلال الأسبوع الماضي فقط اعتقال وخطف ثلاثة نشطاء وصحافي. وعادة ما تُقدم الأجهزة الأمنية على توقيف شخصيات سياسية دون الإفصاح عن ذلك، وتبقيهم رهن الحبس لمدد طويلة، دون عرضهم على القضاء.
الباحث الليبي في قضايا حقوق الإنسان، محمود الطوير، يرى أن عمليات الإخفاء القسري المنتشرة في ليبيا، «قد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، بموجب ما نص عليه القانون الدولي الإنساني والقانون الليبي».
وحذر الطوير في حديثه إلى «الشرق الأوسط» من «مغبة إفلات مرتكبي جرائم الخطف من العقاب»، وعدّ ذلك «تواطؤاً من جهات الاختصاص القضائية والأمنية… ولا بد من تقديم المتورطين في هذه الجرائم للعدالة، كما يجب على سلطة إنفاذ القانون ومكتب النائب العام ملاحقتهم وتقديمهم للمحاكمة».
وانزعجت الأوساط الليبية والحقوقية بعد حادثة خطف الناشط السياسي المعتصم العريبي، في مدينة مصراتة بمعية صديقه محمد أشتيوي على يد مسلحين مجهولين، وكذلك توقيف الصحفي أحمد السنوسي من قبل جهاز الأمن الداخلي “لأسباب غير معلومة”.
ودخلت البعثة الأممية إلى ليبيا على خط الأزمة في حينها، وقالت إنه «يساورها قلق بالغ» إزاء التقارير التي تفيد بحدوث عملية اختطاف جديدة في مصراتة هذه المرة، بعد تعرّض الناشط العريبي للاختطاف على يد مسلحين مجهولين مع صديقه محمد أشتيوي، الذي تعرض للضرب.
الاعتقال والاحتجاز التعسفي للصحفي السنوسي
كما عبرت البعثة عن قلقها البالغ إزاء الاعتقال والاحتجاز التعسفي للصحفي السنوسي، وقالت إن تضييق الخناق على الصحافيين «يعزز مناخ الخوف، ويقوض البيئة اللازمة للانتقال الديمقراطي في ليبيا». وقد أُطلق سراح السنوسي، بعد شجب وتنديد محلي ودولي لتوقيفه.
وبعد يومين من خطف العريبي، ألقى به خاطفوه على أحد الطرق بمصراتة، ولم تكشف السلطات الأمنية حتى الآن عن الجهة الخاطفة، كما لم تفصح تلك الجهة عن نفسها.
ويوضح الطوير، أن عمليات الخطف «باتت سائدة في أرجاء البلاد تحت وطأة وعباءة سلطات مسيطرة، تهدد وتبتز وتخطف بقانون القوة، بعيداً عن قوة القانون». ورأى أن «تكرار اللجوء للإخفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب بين أفراد المجتمع، لا يجعل الشعور بانعدام الأمن والخوف مقتصراً على أقارب الضحايا فحسب، بل يطال التجمعات المحلية والمجتمع بأكمله».
الطوير وصف صمت حكومة الوحدة المؤقتة على تغييب السنوسي بأنه «فضيحة مدوية»، معتقداً أن هذا التجاهل “يؤكد أنها تمارس أنواع القمع والاستبداد كافة، في حين يجب التحرك وعدم التهاون مع مرتكبي هذه الحوادث”
ويجرم القانون الليبي عمليات الخطف وجميع الممارسات المشابهة بالقانون رقم 10 بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز.
وتقول البعثة الأممية إنها وثّقت حالات احتجاز ما لا يقل عن 60 فرداً بسبب انتمائهم السياسي الفعلي أو المُتصور. لكن يرجح أن يكون العدد الفعلي للأشخاص المحتجزين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم السياسية أعلى بكثير.
وأشارت البعثة إلى أن «حالات الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، وسوء المعاملة، والتعذيب، والوفيات أثناء الاحتجاز، لا تزال تعصف بليبيا، وسط تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب»، كما رأت أن «هذه الممارسات غير القانونية خلفت مناخاً من الخوف، وتسببت في تضييق الفضاء المدني، وتأكّل سيادة القانون».
انتقادات واسعة في ليبيا
وأثار توقيف السنوسي انتقادات واسعة في ليبيا، وتخوفات من ترصّد الصحافيين
وقال رئيس تحرير منصة علاش أكرم النجار، في دفاعه عن السنوسي، إن «العمل الصحفي ليس جريمة، وحق الناس في الكلام والتعبير مقدس»، مشيراً إلى أن هذه الممارسات التي وصفها بـ«الإرهاب» لن يُنتج عنها إلا العجز.
وبشأن اتساع عمليات التوقيف في ليبيا، رفض الطوير ما أسماه بـ«تبرير العمليات الخارجة عن القانون».
وقال إن «أعمال القبض والتفتيش والتوقيف يُنظمها القانون، ويحدد بدقة القائمين عليها؛ وبالتالي فإن أي أعمال قبض أو احتجاز إذا لم تتم تنفيذاً لأوامر السلطة المختصة، وبالقواعد المقررة قانوناً، فهي تعد أعمالاً خارجة عن القانون، وتوجب ملاحقة القائمين بها وتقديمهم للمحاكمة».
كما أدانت الأوساط الليبية بالإبقاء على الشيخ علي أبو سبيحة، رئيس الفريق الممثل للدكتور سيف الإسلام القذافي رئيس فريق المصالحة، معتقلاً لدى مليشيات حفتر منذ ثلاثة أشهر، من دون إبداء أسباب ذلك.
واعتقلت مليشيات حفتر أبو سبيحة، الذي يترأس المجلس الأعلى لقبائل ومدن «فزان»، في أبريل الماضي، في ظل تقارير تحدثت حينها عن نقله بطائرة عسكرية إلى مدينة بنغازي.
وأمام تزايد معدلات جرائم الإخفاء القسري في ليبيا، وتأثيراتها الاجتماعية، دعت البعثة الأممية للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين تعسفياً، ومحاسبة المسئولين عن ذلك.