كشف تحقيق أجراه مركز الهجرة المختلطة، وهو شبكة عالمية معنية بقضايا الهجرة، عن واقع مأساوي للمهاجرين في ليبيا.

وأظهرت نتائج التحقيق، الذي شمل 317 مقابلة مع مهاجرين غير نظاميين، أن ليبيا تعد من أخطر ممرات الهجرة في العالم، رغم كونها منصة رئيسية للهجرة في شمال أفريقيا.

وفقاً للتقرير، فإن الدوافع الاقتصادية والأمنية تلعب دوراً محورياً في حركة الهجرة من وإلى ليبيا.

فقد أشار 77% من المهاجرين إلى أن العامل الاقتصادي كان السبب الرئيسي لمغادرتهم بلدانهم الأصلية والتوجه إلى ليبيا. ومع ذلك، فإن 63% من المهاجرين قرروا مغادرة ليبيا لأسباب أمنية، بينما يسعى 78% منهم للوصول إلى أوروبا أو دول شمال أفريقيا الأخرى بحثاً عن فرص اقتصادية أفضل.

واعتمد التحقيق على317 مقابلة أجريت العام الماضي مع مهاجرين غير نظاميين أقاموا ثلاثة أشهر على الأقل في ليبيا، حيث تبين أن العامل الاقتصادي هو السبب الرئيسي الذي دفع 77% من المهاجرين إلى مغادرة بلدانهم الأصلية والتوجه إلى ليبيا، إضافة إلى عوامل أخرى بينها العنف وانعدام الأمن والصراع.

يشار إلى أن التحقيق أجراه مركز الهجرة المختلطة، وهو شبكة عالمية تعمل على جمع وتقديم البيانات والبحث والتحليل وتطوير السياسات والبرامج المتعلقة بالهجرة المختلطة، وله مراكز إقليمية في أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأميركا اللاتينية، وفريق عالمي مقره في كوبنهاغن وجنيف وبروكسل.

وسلط التقرير الضوء على ظروف العمل الصعبة التي يواجهها المهاجرون في ليبيا. فغالبية فرص العمل المتاحة لهم تتركز في القطاع غير الرسمي، مع 92% من العاملين يعملون دون عقود توظيف رسمية. كما يتعرض الكثير منهم للاستغلال وانعدام الأمن الوظيفي، مع 66% منهم يبلغون عن سرقة رواتبهم أو تأخرها.

وعلى الرغم من أن غالبية المهاجرين المشاركين في التحقيق اختاروا التوجه إلى ليبيا لأسباب اقتصادية، إلا أن نسبة كبيرة منهم قررت مغادرة البلاد لاعتبارات أمنية.

وأشار التقرير إلى أن المهاجرين يواجهون تحديات كبيرة في سوق العمل الليبي، بما في ذلك الخوف من الاعتقال والاستغلال. كما أن ظروف العمل غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر، مع 60% من المهاجرين يتعرضون للاعتداء اللفظي و42% للاعتداء الجسدي في أماكن العمل.

وبين التقرير تحقيق المجموعة الدولية أن النسبة الأكبر من فرص العمل المتوفرة للمهاجرين في ليبيا تتركز في القطاع غير الرسمي والوظائف الموسمية والعمل العرضي.

وأوضح أن 92% من المهاجرين العاملين الذين يتقاضون رواتب يعملون من دون عقد توظيف رسمي، ويعملون في المقام الأول من خلال عروض غير رسمية أو العمالة الموسمية، كما أنهم معرضون للاستغلال وانعدام الاستقرار المالي.

ويعتمد المهاجرون في الحصول على وظائف غالبا على شبكات شخصية تجمع مهاجرين آخرين من الجنسية نفسها أو قادة المجتمعات المحلية.

ووجد التحقيق أن ثلاثة أرباع المهاجرين، بنسبة 77%، كسبوا الأموال من خلال تواجدهم في ليبيا، وتمكن 61% منهم من إيجاد فرصة عمل خلال شهر واحد من وصوله إلى البلاد. ووجد ثلثا هؤلاء وظيفة عبر مساعدة آخرين من الجنسية نفسها.

وفي ظل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية المستمرة في ليبيا، يبدو أن آفاق تحسن أوضاع المهاجرين لا تزال قاتمة. فغياب حكومة موحدة وانتشار الجماعات المسلحة يخلق بيئة مناسبة لشبكات الاتجار بالبشر، مما يزيد من المخاطر التي يواجهها المهاجرون.

وتناول التحقيق أبرز العراقيل أمام المهاجرين في سوق العمل داخل ليبيا، وأهمها الأمن والخوف من الاعتقال، والوصول المحدود إلى معلومات بشأن الوظائف المتاحة، وكذلك الخوف بشأن التعرض للاستغلال والسرقة.

وأظهرت  النتائج أن المؤهلات التعليمية لم تشكل حاجزا كبيرا أمام المهاجرين في الحصول على وظائف. إذ أبلغ غالبية المهاجرين المشاركين في التحقيق أنهم حصلوا على وظائف لكن في القطاعات ذات المهارات المنخفضة.

وأبلغ 66% من المهاجرين عن سرقة الرواتب أو تأخرها، فيما أبلغ 39% عن عدم تلقيهم رواتبهم. بينما أكد 20% فقط قدرتهم على تغطية احتياجاتهم في ليبيا، وأبلغ 15% فقط عن قدرتهم على الادخار. فضلا عن ذلك، أبلغ 60% من المهاجرين عن تعرضهم للاعتداء اللفظي في محل العمل، وتعرض 42% للاعتداء الجسدي، فيما أبلغ 49% عن غياب الأمن الوظيفي.

ويواجه المهاجرون العاملون في ليبيا مستويات أعلى من المخاطر الإضافية في بيئة العمل، كما أن العمال في الوظائف الموسمية هم الأكثر هشاشة.

وتحدث تحقيق مركز الهجرة المختلطة عن غياب أي حقوق قانونية للمهاجرين العاملين في ليبيا، وهو ما فاقم من هشاشة وضعهم، وعرضهم إلى مزيد من المخاطر، لاسيما مع غياب الحماية.

وأكد مركز الهجرة المختلط أن ليبيا منصة رئيسية في مسار الهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وهي أكثر ممرات الهجرة خطورة في العالم بالنسبة إلى المهاجرين.

وفي ظل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية الممتدة التي تعاني منها ليبيا، فإن آفاق تحسن أوضاع المهاجرين في البلاد لا تزال قاتمة، إذ يظل الوضع الأمني بشكل عام غير مستقر منذ اتفاق الهدنة الموقع بالعام 2020، مع اندلاع اشتباكات دورية بين المجموعات المسلحة.

وفي غياب حكومة موحدة، يظل الإطار الزمني لعقد انتخابات برلمانية ورئاسية غير واضح. وفي هذا الإطار، يحتاج 823 ألف شخص، بينهم ليبيون وغير ليبيين، مساعدات إنسانية.

كما أن الانقسام السياسي والوضع الأمني المتقلب يخلق البيئة المناسبة لشبكات الإتجار في البشر، مع وجود انتهاكات موسعة لحقوق الإنسان، وهو ما يزيد بالمخاطر المحدقة بالمهاجرين في ليبيا.

ويخلص التقرير إلى أن الوضع في ليبيا يتطلب اهتماماً دولياً عاجلاً لحماية حقوق المهاجرين وضمان سلامتهم، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مساعدات إنسانية لحوالي 823 ألف شخص، بينهم ليبيون وغير ليبيين.

Shares: