تركت الأزمة الليبية بصمات سلبية على مدن وقرى الجنوب الليبي أكثر من نظيراتها في الشمال على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصا في الشق الأخير، إذ تعرضت التركيبة الديموغرافية في هذه المنطقة لتغييرات خطرة بسبب عوامل كثيرة، أبرزها تدفق المهاجرين الأفارقة والصراعات القبلية المشتعلة في تلك المناطق.
وذكرت صحيفة إندبندنت عربية أن الشكوى من التغيير الديموغرافي المتسارع في المدن والمناطق الجنوبية زادت بوتيرة ملحوظة في السنوات الخمس الأخيرة، لدرجة أن بعض السكان هجروا مناطقهم وتركوها للوافدين من القارة السمراء، وخصوصا من الدول المحاذية لليبيا من الجنوب مثل تشاد والنيجر ومالي، الذين تسبب قدومهم بمشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة وخطرة.
وقالت الصحيفة إن مدينة مرزق جنوب غربي ليبيا عانت وما زالت تعاني أكثر من غيرها الزحف البشري الآتي من الدول الأفريقية المحاذية لليبيا، وتفاقمت هذه المعاناة وبرزت خطورة ما يجري في هذه المدينة الصغيرة، بداية من عام 2016، عندما قتل مدير السجل المدني ومدير منظومة التسجيل المدني على يد مجهولين، نسبهم أهالي المدينة إلى الوافدين الأفارقة، بسبب تصديهما لمحاولات تزوير شهادات الميلاد ومنح الجنسية لهؤلاء المهاجرين، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، شهدت المدينة عملية نزوح ضخمة لمعظم سكانها الأصليين، الذين بلغ عددهم 30 ألف نازح ومهجر، بحسب مصادر محلية في مرزق، علماً أن التعداد السكاني لهذه المدينة الصغيرة بحسب آخر الإحصاءات في ليبيا لا يتجاوز 44 ألف نسمة فقط.
وأضافت أن هذه المعاناة دفعت السكان المهجرين من منازلهم لتنظيم اعتصام أثار جدلاً كبيرا في ليبيا أمام مبنى رئاسة حكومة الوحدة في طرابلس، بداية العام الحالي، وكان لهذه الوقفة دور كبير في تسليط الضوء على ما يجري في الجنوب المنسي من السياسيين المتصارعين على السلطة في مدن الشمال.
وبدأت قضية تدفق المهاجرين الأفارقة في الظهور كخطر محدق بالجنوب الليبي، في العامين الأخيرين من حكم ركت الأزمة الليبية بصمات سلبية على مدن وقرى الجنوب الليبي أكثر من نظيراتها في الشمال على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً في الشق الأخير، إذ تعرضت التركيبة الديموغرافية في هذه المنطقة لتغييرات خطرة بسبب عوامل كثيرة، أبرزها تدفق المهاجرين الأفارقة والصراعات القبلية المشتعلة في تلك المناطق.
ويقول أحد سكان المدينة الناشط الحقوقي محمد الآغا، في تصريحات لقناة تلفزيونية ليبية، إن “المهاجرين الأفارقة استغلوا بعد الثورة تدهور الأوضاع وحصولهم على السلاح وبدأوا في مضايقة الأهالي باتباع أسلوب ترهيب الناس بالخطف والقتل، وحصلوا على ثروات هائلة وبدأوا بتهجير الناس منذ 10 سنوات، وقتلوا مدير السجل المدني ومدير منظومة التسجيل المدني في مرزق عام 2016، وكانت هذه نقطة تحول في المدينة”.
وأضاف “بعد مقتل مدير السجل المدني ناشد أهل مرزق جميع الحكومات مساعدتهم من دون جدوى، ولهذا فكر أعيان المدينة بإنشاء منظومة الأحوال المدنية غير الرسمية للمحافظة على المعلومات وسجل السكان الأصليين، الأمر الذي دفع تلك الجماعات إلى ارتكاب جرائم الخطف والقتل بشكل متعمد والسيطرة على ممتلكات الدولة”.
وتابع “تفاقمت المشكلة بدخول الجيش الليبي المدينة عام 2019، إذ حصلت المواجهة بينه وبين العصابات الخارجية المسيطرة على المدينة، فبعد خروج القوات المسلحة عادوا للانتقام من المواطنين مع أنهم لم يشتركوا في القتال، فهجموا على الناس في الأحياء والمنازل في وضح النهار، ودافع الناس عن أنفسهم بأقل الإمكانات رغم الفوارق بينهما في العدة والعتاد، واستمرت المواجهات بين المواطنين وتلك المجموعات الدخيلة على المدينة مدة أربعة أشهر حتى تم نزوحهم خارجها وهجروا بالكامل حيث توزعوا وانتشروا في مختلف أنحاء البلاد”.
ورأى الباحث والأكاديمي الليبي محمد العنيزي أن “المشكلة أكثر تعقيداً مما تظهر في محاولات حصرها بالظروف الأمنية والسياسية وإن كانت ذات ارتباط كبير ومباشر بها، هناك أسباب أخرى عززت أزمة الوافدين إلى الجنوب الليبي، منها وجود مكونات وقبائل لها امتداد في تشاد والنيجر والسودان، والتي دأبت على عبور الحدود بطرق غير شرعية، وتحت غطاء قبلي أو عرقي، وعادة ولاء هذه الجماعات والقبائل التي تنشط على الحدود غالباً ما يكون لامتدادها القبلي أو العرقي العابر للحدود، بخاصة مع هشاشة الوضع الأمني والانهيار الاقتصادي والانقسام السياسي وغياب حكومة مركزية قوية”.
وتابع أن العلاقات التاريخية بين القبائل الليبية في المنطقة، وعلاقات بعضها مع دول الجوار ولا سيما تشاد، عززت فرص التدخل الأجنبي لمبررات اجتماعية أو قبلية.