تثير قضية تهريب الأسلحة من ليبيا إلى دول أفريقية جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والأمنية، خاصة مع تصاعد حدة الصراعات في المنطقة.

ورصدت تقارير أمريكية وأفريقية مؤخراً مسارات لتهريب السلاح عبر الصحراء الكبرى، تمر بليبيا والجزائر والنيجر وصولاً إلى شرق مالي، مما أثار تساؤلات حول مدى صحة هذه الاتهامات وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي.

الحكومات الليبية في المنطقة الغربية تتحمل مسؤولية التهريب

وتباينت الآراء حول حقيقة هذه الاتهامات بشكل كبير، فمن جهة، يرى بعض المحللين، مثل جمال شلوف رئيس مؤسسة “سلفيوم” للأبحاث والدراسات الليبية، أن الحكومات الليبية في المنطقة الغربية تتحمل مسؤولية التهريب.

وأضاف في تصريحات لـ”الشرق الأوسط” السعودية، أن بعض قيادات التشكيلات المسلحة تلجأ لبيع الأسلحة والذخيرة لأطراف أفريقية. وقد عزز هذا الرأي تصريح المبعوث الأممي السابق، عبد الله باتيلي، الذي وصف ليبيا بأنها أصبحت “سوبر ماركت” للأسلحة.

مجلة «منبر الدفاع» الأفريقية

وسبق أن رصدت مجلة «منبر الدفاع» الأفريقية، الصادرة عن القيادة العسكرية الأميركية (أفريكوم)، أحد مسارات تهريب السلاح عبر الصحراء الكبرى، وقالت إنه يمر بليبيا والجزائر والنيجر وصولاً إلى شرق مالي.

ويرى سياسيون ليبيون أن قرار حظر السلاح المفروض على بلادهم منذ 2011 «غير فعال»، وأن السلاح لا يزال يتدفق على سواحل ليبيا.

لكن الحديث عن تهريب السلاح من ليبيا إلى دول أفريقية لا يتوقف على نشاط المجموعات المسلحة، فمع اشتعال الحرب في السودان، تصاعدت أيضاً الاتهامات الموجهة للمواطن الأمريكي خليفة حفتر، بمد قائد «الدعم السريع» بالسلاح.

تهريب السلاح من ليبيا إلى دول أفريقية

ووفقاً للمجلة الأفريقية، فقد قال خبراء أفارقة إن الأسلحة الصغيرة والخفيفة المهربة من ليبيا وصلت إلى نيجيريا، وباتت تباع بشكل سهل، وأرجع محللون ذلك إلى الانقسام الأمني في البلاد.

في المقابل، يرفض آخرون هذه الاتهامات ويرونها مبالغاً فيها، فيرى الشريف عبد الله، مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، أن تسرب السلاح من ليبيا إلى الدول الأفريقية المجاورة يتم عبر تجار وقادة مجموعات معارضة مسلحة من دول أخرى، وليس عبر أطراف ليبية.

كما زعم أن السلاح بات محصوراً في أيدي ما يسمى بالمؤسسات العسكرية الرئيسية في ليبيا، مما يقلل من إمكانية تسريبه.

وأعرب عن قناعته بأن «حديث باتيلي حمل مبالغة عندما قال إن ليبيا أصبحت (متجراً للسلاح)».

ورأى أن «الشكاوى والمخاوف الأفريقية الراهنة تتعلق في الأغلب بما يتداول حول نقل السلاح لدول القارة السمراء، في إطار تسليح موسكو لما يعرف بـ”الفيلق الأفريقي”.

وشدد عبد الله على أن تسرب السلاح من ليبيا للدول الأفريقية المجاورة لها «لم يجرِ بواسطة أطراف ليبية، وإنما عبر تجار وقادة مجموعات معارضة مسلحة من دول أخرى، مثل السودان وتشاد.

وانتهى عبد الله إلى أن «السلاح بات خلال السنوات الأربع الأخيرة منحصراً في أيدي المؤسستين العسكريتين في ليبيا، أي مليشيات المواطن الأمريكي حفتر ورئاسة الأركان التابعة لوزارة الدفاع بحكومة (الوحدة الوطنية) المؤقتة، وما يتبعها من تشكيلات مسلحة»، وهو ما يقلل وفق قوله «من إمكانية تسريبه».

تحول ليبيا إلى سوق رائجة للسلاح

وفي موقف وسطي، يرى إبراهيم هيبة، أستاذ العلاقات الدولية الليبي، أن تحول ليبيا إلى سوق رائجة للسلاح حدث تدريجياً نتيجة لعوامل متعددة.

ويشير إلى الصراعات الداخلية والانقسام السياسي كأسباب رئيسية، إضافة إلى تأثير الصراعات في دول الجوار وضعف الأمن على الحدود.

وأضاف هيبة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «التحول حدث جراء توافر عوامل كثيرة… فليبيا عانت صراعات مسلحة؛ وحتى بعد توقف القتال لا تزال تعاني صراعاً سياسياً وانقساماً حكومياً». مبرزاً أن «مع الانقسام تقل الرقابة والمحاسبة، ما يشجع تجار الأزمات على استغلال الوضع، خصوصاً مع انتشار السلاح فعلياً في ليبيا».

كما ذكّر هيبة باشتعال الصراعات بدول الجوار الجنوبي للبلاد، ما دفع تجار السلاح لضخه بمساره المعتاد من الشمال للجنوب.

ولفت إلى وجود «هشاشة أمنية» بالحدود الجنوبية لتلك الدول المتاخمة لليبيا، وكيف تتعرض جراء ذلك لتهديد مضاعف من الجماعات الإرهابية، وعصابات الجريمة المنظمة، سواء تعلق الأمر بتهريب البشر أو المخدرات.

وشدد هيبة على أن أياً من هذه العوامل بمفرده كفيل بتحويل ليبيا إلى سوق رائجة للسلاح، خصوصاً في ظل ما ترصده تقارير دولية من استمرار حصول الأطراف المحلية المتصارعة على السلطة على دعم تسليحي.

ومدد مجلس الأمن الدولي مؤخراً مهمة العملية البحرية «إيريني»، التي أطلقها الاتحاد الأوروبي قبل 4 أعوام بعد انتهاء الحرب على طرابلس في يونيو 2020 إلا أن كثيراً من التقارير الأممية لا تزال تتحدث عن تسريب السلاح إلى ليبيا حتى الآن.

 

Shares: