كشف تقرير نشرته مجلة “الصراعات” الفرنسية عن تزايد النفوذ الروسي في ليبيا وشمال أفريقيا، مستغلاً الفراغ الأمني الذي خلفته القوى الغربية في المنطقة.
وفقاً للتقرير، شهد مطلع عام 2024 تسارعاً ملحوظاً في الوجود الروسي بليبيا، حيث تم نقل مرتزقة ومدربين وأسلحة ومعدات عسكرية إلى مناطق برقة وفزان.
يأتي هذا التحرك ضمن استراتيجية روسية أوسع لتوسيع نفوذها في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
يشير التقرير إلى أن موسكو استغلت الاهتمام الأمريكي المتراجع بالمنطقة لترسيخ وجودها، مدفوعة بأهداف جيوسياسية واقتصادية.
تتبنى روسيا، وفق التقرير، إستراتيجية متعددة الأوجه في ليبيا، حيث تدعم مختلف الأطراف المحلية وتستخدم مجموعات مثل “فاغنر” لتعزيز نفوذها.
كما تسعى لإنشاء مركز لوجستي يربط مواقعها في شمال أفريقيا والساحل، مستفيدة من الموقع الاستراتيجي لليبيا وضعف أمن حدودها مع دول الجوار.
حذر التقرير من إمكانية استغلال روسيا لموقع ليبيا في ملف الهجرة كورقة ضغط على أوروبا.
ويتوقع أن يؤدي هذا إلى تعزيز التعاون بين ليبيا وبعض الدول الأوروبية، وربما يجدد الاهتمام الأمريكي بالمنطقة.
كما توفر ليبيا لموسكو فرصًا اقتصادية كبيرة، لا سيما في قطاعي النفط والغاز والبنية التحتية.
ويشير التقرير إلى أن الاستراتيجية الروسية في ليبيا قد تؤدي إلى تغيير في توازنات القوى الإقليمية، مع احتمال حدوث تحولات في تحالفات الأطراف المحلية استجابة للتحركات الدولية.
ويرى التقرير أن الجديد منذ بداية عام 2024 ليس الوجود الروسي في المنطقة نفسها، بل طابعه الشامل، فقد أظهر فلاديمير بوتين في البداية دعمه للمواطن الأمريكي خليفة حفتر حتى عام 2017، قبل أن يتواصل مع مختلف الجهات الفاعلة المحلية التي عارضته، مثل المجموعات المسلحة في طرابلس ومصراتة أو حتى قبائل معينة في فزان.
وفي عام 2019، قرر بوتين دعم حفتر مرة أخرى في هجومه على طرابلس، ولكن دون إعلان هذا الدعم رسميًا، وعادت موسكو بعد ذلك إلى موقف رسمي أكثر حيادية، مدعية أنها تدعم العملية الدبلوماسية لحل الأزمة في ليبيا.
وبشكل عام، قد تفضل روسيا الحفاظ على الوضع الراهن في ليبيا من خلال تشجيع أي انزلاق يفترض أن يؤدي إلى تأجيل إضافي للانتخابات التي ترغب فيها الأمم المتحدة، وفق مجلة “صراعات”.
وأكدت المجلة أن موسكو استغلت الفراغ الأمني على الحدود بمهارة عن طريق دعم ومرافقة وحتى تسليح بعض الميليشيات من خلال مجموعة فاغنر شبه العسكرية. وهذه الأخيرة تغذي عدم الاستقرار الأمني والخصومات في المنطقة، وفي الوقت نفسه يجعل من الممكن تبرير الوجود الروسي في القارة.
ومن خلال الشراكة مع المجموعات المسلحة المؤثرة، تضع روسيا نفسها أخيرًا كلاعب رئيسي في المشهد الأمني الليبي.
ومن خلال تعزيز وجودها على الأراضي الليبية والاستفادة من ضعف أمن الحدود مع النيجر وتشاد والسودان خاصة في الجنوب، تعمل موسكو على إنشاء مركز لوجستي مركزي يربط جميع مواقعها وممتلكاتها في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
ومن خلال تعزيز موقفها في ليبيا وحتى مناقشة بناء ميناء على البحر الأبيض المتوسط، تمنح موسكو نفسها إمكانية الوصول المباشر إلى الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي من خلال إنشاء سلسلة متصلة مع البحر الأحمر.
والموقع الاستراتيجي لدولة ليبيا الذي يقع في قلب الهجرة الإقليمية يمكن أن يستخدم أخيرًا كوسيلة ضغط دبلوماسية أو أمنية من قبل روسيا في مواجهتها مع الأوروبيين.