سلط تقرير لموقع «الشرق الأوسط» الضوء على تزايد وتيرة الفساد في ليبيا، على الرغم من الإعلانات المتكررة للنائب العام الصديق الصور عن ضبط واعتقال مسئولين بتهم فساد، إلا أن فعالية هذه الإجراءات ما زالت محل تساؤل لدى الكثير من الليبيين.
الاستيلاء على المال العام ثقافة
وفي هذا السياق، صرح فتحي عمر الشبلي، رئيس حزب “صوت الشعب” الليبي، بأن بلاده وصلت إلى مرحلة “أصبح فيها الاستيلاء على المال العام ثقافة”، مشيراً إلى صعوبة محاسبة ما وصفهم بـ”كبار اللصوص” في ظل دولة “غير مستقلة ومنقوصة السيادة”.
ويطول الفساد في ليبيا جميع مؤسسات الدولة بشكل كبير، وهي تقع ضمن تصنيفات متقدمة في مؤشرات تفشي الفساد المالي والإداري على مستوى العالم، رغم الضربات التي يتلقاها لصوص المال العام.
يأتي ذلك في ظل أحاديث الليبيين، التي لا تنقطع عن مافيا تهريب الوقود المدعم إلى خارج البلاد، وبيعه وسط البحر للسفن المارة.
كبار اللصوص في ليبيا
وتساءل الشبلي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» عن الجهة التي تستطيع أن تقف في وجه من سمّاهم «كبار اللصوص» في ليبيا؛ وأن «تُطبق عليهم قانون من أين لك هذا؟ لكن للأسف دولتنا اليوم غير مستقلة ومنقوصة السيادة.
ولذلك يطالب الجميع بمحاسبة الفاسدين، لكن لا مجيب؛ في ظل عمليات واسعة من التطاول على ثروات الشعب.
ويصدر ديوان عام المحاسبة كل عام تقريراً مُحملاً بقدر هائل من الانتهاكات والتجاوزات، التي تقترفها السلطات المحلية في حق المال العام، وسط مطالب سياسية للنيابة العامة بضرورة التحقيق فيما تضمنه من وقائع، وإخضاع من يثبت تورطه للعدالة.
وتقول النيابة العامة إنها تحقق فيما تضمنه تقرير ديوان المحاسبة من جرائم وانتهاكات تطول ثروات الشعب، وسبق أن طالبت بسجن بعض الذين ثبت تورطهم في نهب ثروات الشعب.
علماً بأن عمليات الحبس الاحتياطي للمسئولين والوزراء تكررت في ليبيا طيلة السنوات الماضية، لكنها تنتهي عادة بإطلاق سراحهم، أو الحكم عليهم بأحكام مخففة.
وتعكس المرتبة المتدنية التي احتلتها ليبيا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 – المرتبة 170 من أصل 180 دولة – حجم المشكلة التي تواجهها البلاد. وقد سبق أن أشار موسى الكوني، النائب بالمجلس الرئاسي الليبي، إلى أن بلاده “أصبحت تتصدر قوائم الفساد في العالم”.
النيابة العامة تدافع
ودافع مصدر بالنيابة العامة عن جهودها في التصدي للصوص المال العام، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن النيابة حبست أكثر من وزير بحكومة «الوحدة الوطنية» من بينهم وزير الصحة السابق، علي الزناتي، ونائبه سمير كوكو بالحكومة، احتياطياً على خلفية تورطهما في «قضايا فساد» مالي وإداري، مشيراً إلى أن مكتب النائب العام لا يتوانى عن ضبط وحبس أي مسؤول أو موظف في الدولة، ما دام ثبت بالأدلة ضلوعه في التطاول على أموال الشعب.
المتورطين في قضايا فساد
وصعّد النائب العام من وتيرة التحقيقات لكشف «المتورطين في قضايا فساد»، تضمنها تقرير ديوان المحاسبة السابق بحق جهات حكومية ودبلوماسية كثيرة، وأمر بحبس رئيس بعثة ليبيا لدى جمهورية أوغندا السابق لاتهامه بـ«تبديد المال العام»، كما أمر بالبحث عن مسئولين آخرين لاتهامهم بالتهمة ذاتها. فيما تعهدت النيابة العامة بالاستمرار في «مكافحة جرائم الفساد وضبط مرتكبيها».
ويرى الشبلي أن القضاء على الفساد في ليبيا يتطلب “انتخاب رئيس شرعي يفعّل كل أدوات مكافحة جرائم الاستيلاء على المال العام”، مؤكداً أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
وقضت محكمة طرابلس في السادس من يونيو الحالي، بإدانة رئيسة البعثة السياسية لدولة ليبيا لدى مملكة بلجيكا ودوقيّة لوكسمبورغ الكبرى، السفيرة أمل الجراري، بالسجن 7 سنوات لاتهامها بـ«الاستيلاء على المال العام»، وتغريمها ضعف المبلغ المختلس.
تهم الفساد الموجهة لسفيرة ليبيا في بلجيكا
وفي مطلع أكتوبر 2023، أخضعت النيابة العامة الليبية، أمل الجراري، للتحقيق لاتهامها بالتطاول على المال العام، وحينذاك أمر رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، بإنهاء إعارتها للعمل بوزارة الخارجية، وإحالة إجراءات إعفائها إلى المجلس الرئاسي، وفقاً للتشريعات النافذة، وفق نص قراره رقم (728) لسنة 2023.
ولم تكن تهم الفساد الموجهة لسفيرة ليبيا في بلجيكا هي الوحيدة، فقد سبقها اتهامات أخرى لرؤساء بعثات دبلوماسية، إضافة إلى مسئولين في حكومة «الوحدة الوطنية».
وفي الخامس من مايو الماضي، أمرت النيابة العامة بحبس القائم السابق بأعمال بعثة دولة ليبيا لدى جمهورية البرتغال، ورقيب سابق على إدارة المال العام في البعثة احتياطياً على ذمة التحقيق.
فساد بفرع المصرف التجاري الوطني
كما أمرت النيابة العامة في نهاية مايو الماضي بحبس مسئول الحسابات الجارية بفرع المصرف التجاري الوطني بمصفاة الزاوية، وملاحقة آخرين متهمين في قضية فساد، ارتكبت في الفرع، استولوا بمقتضاها على قرابة 5 ملايين دينار (الدولار يساوي 4.84 دينار).
كما أمرت بحبس الدكتور عمران القيب، وزير التعليم العالي، ورئيس اللجنة الوزارية المكلفة من رئيس الحكومة لتوفير الكتب، على خلفية أزمة عدّت «قضية أمن قومي»، تتعلق بـ«شبهة فساد» في إجراءات التعاقد على طباعة وتوفير الكتب الدراسية، لكن تمت تبرئته.
وفي الختام، يبدو أن مكافحة الفساد في ليبيا تواجه تحديات كبيرة تتجاوز مجرد الملاحقات القانونية، وتتطلب إصلاحات جذرية وتفعيل آليات المحاسبة بشكل أكثر فعالية.