سلط الكاتب والباحث الأكاديمي جبريل العبيدي الضوء على أوجه الشبه المأساوية بين ليبيا ولبنان في مقال له نشره موقع “الشرق الأوسط اللندنية”.

وأكد الكاتب، أنه ليس فقط الحروف الأبجدية، ولا حتى العروبة، ولا حتى جامعة الدول العربية فقط التي تجمع ليبيا ولبنان؛ بل يجمعهما أيضاً نكبتهما في نخبهما السياسية الحاكمة، التي تتصارع وتتناطح بالوكالة عن أطراف خارجية في كثير من صراعها، هدفها نهب البلدين والإضرار بأمنهما الإقليمي، وتعطيل أي توافق على منصب الرئيس الشاغر في البلدين منذ سنين، بل ووجود «ميليشيات» خارجة عن سلطة الدولة في البلدين.

وأشار إلى أنه في ليبيا تنتشر الميليشيات التي ترتهن العاصمة طرابلس وسلطتها السياسية وتجعلها رهن الابتزاز لها، ومنها المؤدلجة التي تتبع الإسلام السياسي والتي يحاكيها أو تحاكي «حزب الله» في لبنان؛ ميليشيات ازدواجية الولاء التي لا تخضع لسلطة الدولة، وسلاحها خارج سلطة الجيش اللبناني، كما هو الحال عند ميليشيات طرابلس الليبية.

في ليبيا اعتاد الليبيون على الشغور الرئاسي وحتى الحكومي منذ أحداث فبراير  وأصبح منصب الرئيس شاغراً، تارة يزعم رئيس البرلمان أنه الرئيس ويملك السلطات ومنصب القائد الأعلى للجيش، وتارة يقول رئيس الحكومة إن منصب الرئيس من صلاحيات الحكومة.

حتى الجسم الرئاسي الهش الذي جاء في السنوات الماضية يزعم صفة الرئيس كان هناك من ينازعه داخل المجلس الرئاسي، ويرى أن الرئيس هو الأعضاء الثلاثة مجتمعين لا منفردين. الخلاصة أن ليبيا تعاني شعورا رئاسياً والفصل بين السلطات.

وأضاف الكاتب: “تغييب منصب الرئيس في ليبيا يهم أطرافاً مستفيدة كثيرة، منذ تشكل المجلس الانتقالي (سلطة الأمر الواقع في فبراير 2011 غير المنتخبة) التي لم يُعرف تصنيف وظيفي واضح لها. هل هي سلطة تشريعية أم تنفيذية، وأصبح معها رئيس المجلس الانتقالي ينتحل صفة رئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش، بالإضافة إلى صفة رئيس المجلس (البرلمان) غير المنتخب، جمع وظائف وسلطات ثلاثاً في منصب واحد.

وتكرر المشهد عند وريثه المؤتمر الوطني العام، ثم البرلمان الحالي، إلى أن جاء ما يسمي بـ«اتفاق الصخيرات» فنازع البرلمان منصب الرئيس المغيب أصلاً، كل من مجلس الدولة الاستشاري والمجلس الرئاسي، رغم عدم دستورية وشرعية الجسمين الأخيرين، ولكن بقي منصب الرئيس بين الشغور وانتحال الصفة”.

في لبنان الشغور الرئاسي سيد الموقف منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 وحال البلاد معطل؛ لبنان الذي خرج من حرب أهلية حرب الطوائف في سبعينات القرن الماضي التي لم ينتهِ منها إلا باتفاق الطائف الذي وفّق بين الأطراف اللبنانية وأنهى سنوات الحرب ومعاناة اللبنانيين والقتل على الهوية.

وهذا الحال لا يختلف عما جرى في ليبيا من حروب سياسية بين الفرقاء التي لا يمكن وصفها بالحرب الأهلية أو الطائفية؛ كون ليبيا تنفرد بنسيج واحد غير طائفي، وهذا الأمر لم يمنع الحرب وانتهاك الاتفاقيات السياسية، والسبب التكالب الخارجي على ثروتها النفطية الهائلة.

كما أشار الكاتب إلى وجود ميليشيات خارجة عن سيطرة الدولة في البلدين. ففي ليبيا، تسيطر الميليشيات على العاصمة طرابلس وتبتز السلطة السياسية، بينما في لبنان، يمثل “حزب الله” قوة عسكرية موازية للجيش الرسمي.

ولفت إلى تغييب منصب الرئيس في ليبيا ولبنان والتدخل الخارجي وتناطح النخب السياسية من السمات المشتركة بين البلدين رغم الاختلافات الأخرى، كون الديمقراطية في لبنان والممارسة الحزبية أكثر قدماً منها في ليبيا، ولكن مع كل هذا لم يمنع شغور منصب الرئيس رغم التوافق على الرئاسات الثلاث وتقاسمها بين المكونات الطائفية في لبنان.

ورغم محاكاة المشهد السياسي اللبناني في ليبيا ومحاولة تقاسم الرئاسات الثلاث بين الأقاليم الجغرافية في ليبيا (برقة وطرابلس وفزان) إلا أن التناطح والاقتتال في ليبيا لم يتوقفا إلا في السنتين الأخيرتين، حيث لا يوجد صمام أمان من ألا تندلع الحرب مجدداً.

رغم الاختلافات في التاريخ السياسي والتركيبة الاجتماعية بين البلدين، إلا أن العبيدي يرى أن التدخل الخارجي وصراع النخب السياسية يشكلان عاملاً مشتركاً في إدامة الأزمة. ففي ليبيا، يرتبط الصراع بالتنافس على الثروة النفطية، بينما في لبنان، تلعب الانقسامات الطائفية دوراً محورياً.

وختم العبيدي مقاله بالتحذير من أن استمرار الشغور الرئاسي في كلا البلدين يهدد باستمرار حالة عدم الاستقرار وربما عودة الصراعات المسلحة.

ودعا إلى ضرورة إنهاء هذا الشغور كخطوة أولى نحو استعادة الاستقرار والسيادة الوطنية في كل من ليبيا ولبنان.

 

 

Shares: