وسط تزايد النفوذ الروسي العسكري والاقتصادي والدبلوماسي في ليبيا، وفي ظل تصارع حكومتين: واحدة في الغرب وأخرى في الشرق، تحولت ليبيا إلى ملعب للتنافس والصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وذكرت صحيفة الوسط أن أبريل الماضي شهد تحركا عسكريا روسيا في شرق ووسط ليبيا، وفق معطيات تداولتها عدة مصادر فرنسية وإيطالية متطابقة، كشفت عن وصول سفن شحن ومعدات تحسباً لنشر «الفيلق الأفريقي»، وهي المعدات نفسها التي جرى إرسالها إلى النيجر وبوركينافاسو.

وأضافت الصحيفة أن سفينة شحن روسية، تحمل اسماً مباشراً من رواية تجسس لإريك أمبلر المؤلف البريطاني، «ميكانيكي مكارين»، توقفت في سوسة التونسية، قبل أن تتوقف شرق ليبيا، وفق جريدة «لوبوان» الفرنسية.

وفي 8 أبريل الماضي، رست سفينتان هما «إيفان غرين» إلى جانب «ألكسندر أوتراكوفسكي» في مدينة طبرق، قادمتين من قاعدة طرطوس البحرية الروسية في سورية، الجريدة الفرنسية اعتبرت أن هاتين السفينتين العسكريتين ظلتا تكافحان في البحر الأسود منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث جلبتا معدات لوجستية ومدفعية.

ومنذ أيام ربط مقال نشرته جريدة «نوفايا غازيتا» الروسية المستقلة، ومقرها لاتفيا، بين مخرجات الحرب الروسية في أوكرانيا واستمرار النفوذ الروسي في ليبيا ومنطقة البحر المتوسط، مرجحا أن تلجأ موسكو إلى تطبيق الاستراتيجية نفسها التي تتبعها داخل ليبيا في باقي المناطق التي تسعى لإنشاء موطئ قدم لها في شرق المتوسط.

وقال الباحث في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، غالب دالاي، إن «التواجد البحري الروسي في ليبيا وشرق المتوسط يتوقف على قوة الأسطول في البحر الأسود، ولهذا فإن الحرب بأوكرانيا، التي تستنفد الموارد الروسية، سيكون لها تأثير مضاعف».

وحسب المقال فقد تمكن الرئيس فلاديمير بوتين من بناء تواجد قوي في شرق المتوسط بفضل إحكام السيطرة على البحر الأسود، ما مكنه من تحريك الأصول بين المنطقتين، ونتيجة لذلك اندمجت المنطقتان إلى فضاء جيوسياسي موحد، له ديناميكيات أمنية متشابكة بشكل متزايد.

ونتيجة لذلك، يشير الكاتب إلى عزم موسكو إعادة تحديد دورها في شرق البحر المتوسط ومنطقة البحر الأسود، خاصة أن الحرب في أوكرانيا قوضت قدرتها على استعراض النفوذ.

وقال: «بينما حافظ الكرملين إلى حد كبير على دوره في السياسة الإقليمية والعلاقات مع زعماء الشرق الأوسط، وهو ما يعتبره مظهراً لمكانة بلاده كقوة عظمى، فإن الصراع الملتهب في أوكرانيا، إلى جانب حرب غزة، قد يغير في نهاية المطاف موقف روسيا».

ورأى أنه «دون تحقيق النصر الكامل في أوكرانيا، فمن المرجح أن يتراجع نفوذ روسيا في البحر الأسود والبحر المتوسط والشرق الأوسط بمرور الوقت».

الكاتب رجح أن يلجأ الكرملين إلى تعميم الاستراتيجية التي يتبعها في ليبيا في باقي المناطق التي يتوق لتعزيز نفوذه بها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي استراتيجية ذات تكلفة منخفضة وتأثير استراتيجي كبير.

وأضاف أن «الحرب في أوكرانيا أجبرت الصناعة العسكرية في روسيا على التركيز بشكل أساسي على تلبية احتياجات الحرب بدلًا من تصدير الأسلحة إلى الحلفاء».

وتابع: «بالنظر إلى أن تواجد روسيا العسكري ونفوذها في المتوسط يتوقف على قوة أسطولها في البحر الأسود، فإن تداعيات الحرب في أوكرانيا سيكون لها تأثير مضاعف على نفوذ ومكانة موسكو في المتوسط والشرق الأوسط في المستقبل القريب».

وقال: «عطلت الحرب في أوكرانيا ما يقرب من ثلث السفن الحربية الروسية في البحر الأسود، علاوة على ذلك، منذ أن أغلقت تركيا مضيق البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية في فبراير 2022، لم يتمكن الكرملين من تناوب الأصول البحرية بين المنطقتين».

ونجحت روسيا في تغيير ميزان القوى في البحر الأسود، وتعزيز نفوذها في منطقة غرب البلقان وجنوب القوقاز، في العام 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم ذات الأهمية الاستراتيجية، وجاء ذلك بعد سيطرتها على أبخازيا الانفصالية الجورجية في أعقاب حرب قصيرة بالعام 2008، بعدها تمكنت من السيطرة على ما يقرب من ثلثي ساحل جورجيا على البحر الأسود.

وعمل الكرملين على تحديث قاعدة بحرية في ميناء طرطوس في سورية حتى يستوعب سفناً عسكرية أكبر، والتوسع في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، ثم توجهت إلى تعزيز نفوذها في قاعدة الجفرة في ليبيا، وتحويلها إلى نقطة إنطلاق رئيسية لعملياتها في أفريقيا.

وذكرت جريدة «إكسبريس» البريطانية، أن بصمة موسكو في ليبيا سمحت لها بجني خمسة مليارات يورو من المبيعات النفطية منذ العام 2022، بينما يوفر لها التواجد في البلدان الأفريقية الأخرى مليارات أخرى من خلال استغلال الموارد المعدنية السخية.

ورأت الجريدة أن عوائد عمليات مجموعة «فاغنر» القانونية وغير القانونية في أفريقيا تسمح لموسكو بأكثر من تغطية التكاليف التشغيلية التي تشمل 20 مليون يورو من الرواتب الشهرية لمنتسبيها في ليبيا.

وقالت إن تواجداً عسكرياً لروسيا في ليبيا، بما في ذلك سيطرة محتملة على ميناء يطل على البحر المتوسط ويقع على بعد 700 ميل فقط من جزيرة صقلية، يمنح الكرملين نفوذاً في قارة غنية بالموارد، والفرصة لممارسة ضغوط على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي ناتو.

وأشار تقرير الجريدة البريطانية إلى تواجد ما يقرب من ألفي عنصر تابعين لمجموعة «فاغنر» الروسية في ليبيا، إضافة إلى 15 طياراً، و35 خبيراً تقنياً و80 إداريا، وانضم إلى هؤلاء أخيراً، حسب التقرير، مجموعة من 1500 من القوات الروسية النظامية، في إشارة على أن «موسكو لم تعد راغبة في العمل بالظل بعد الآن».

وقال التقرير: «تحولت مجموعة فاغنر إلى قوات استطلاع روسية في أعقاب الانقلاب الفاشل لقائدها، يفغيني بريغوجين، الذي لقي مصرعه بشكل غامض العام الماضي، وتقع المجموعة الآن تحت الإشراف الكامل لوحدة الاستخبارات العسكرية الروسية».

وقالت الباحثة في المجلس الأطلسي، عليا براهيمي: «لا أعتقد أن بريطانيا تدرك حجم المشكلة الحقيقي.. في ليبيا يقومون بشراء الوقود الروسي الخاضع للعقوبات الأوروبية ثم يجري إعادة تصديره مرة أخرى».

Shares: