تسعى كل من الولايات المتحدة وفرنسا لتشكيل قوة عسكرية موحدة في ليبيا تضم عدداً من التشكيلات والجماعات المسلحة، وهو الأمر الذي لا يروق لمدن بالمنطقة الغربية تضم كتائب مسلحة تتمتع بنفوذ كبير، لمواجهة النفوذ الروسي.
هذه التحركات جرى ربطها بقرب تشكيل ما سمي بـ«الفيلق الليبي الأوروبي» في غرب البلاد الذي بدأ الترويج له، في ظل النفوذ العسكري الروسي في المنطقة الشرقية، رغم أن موسكو تشارك في نشاط دبلوماسي بطرابلس بعد أن أعيد فتح سفارتها نهاية فبراير الماضي.
منذ اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا أكتوبر 2020، بدأت فرنسا محاولات لتوحيد القوات الغربية والشرقية تحت لواء وحدة أمنية مشتركة لتأمين الجنوب الليبي. لكن هذه المبادرة فشلت لأن هدفها كان يخدم مصالح فرنسية أكثر من الأمن الليبي حسب محللين.
قمة أمنية مصغرة حول ليبيا
حيث سعت فرنسا للاحتكاك مع القوات الروسية، وهو ما لا تزال تصر عليه من خلال السعي لاستضافة قمة أمنية مصغرة حول ليبيا.
في الوقت نفسه، شجعت الدبلوماسية الأمريكية المحادثات بين الأطراف الليبية لدمج مختلف القوات في هيكل مشترك مع قوات المواطن الأمريكي حفتر.
وبدأت محادثات حول هذا الموضوع بلقاء مفاجئ في مارس 2022 بين قادة جماعات مسلحة غربية ومليشيات حفتر. وتقدم التقارب في سبتمبر عندما ساعدت دول غربية كتيبة حفتر في عمليات إنقاذ.
تحفظات ليبية على تشكيل قوات مشتركة
ولكن أمام تحفظات ليبية على تشكيل قوات مشتركة في غيابهم، تغيرت الخطة الأمريكية لتشكيل فيلق من قوات المنطقة الغربية فقط.
ووجهت دعوة لرئاسة الأركان الليبية للمشاركة في تدريبات عسكرية بالمغرب، كما زار مسئولون أمريكيون عدة وحدات غربية مؤخرًا.
وسعت باريس للاحتكاك مع القوات الروسية، وهو الغرض الذي لا تزال تتمسك فرنسا به وتسعى من أجل تحقيقه لاستضافة قمة أمنية مصغرة تركز على ليبيا برئاسة المستشار والمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا، بول سولير، وبمشاركة كل من بريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا.
في الأثناء، شجع الدبلوماسيون الأميركيون المحادثات بين مختلف الأطراف الليبية لدمج مختلف القوات في هيكل مشترك، إذ بدأت المحادثات حول هذا الموضوع باجتماع مفاجئ بين قادة الجماعات المسلحة من الغرب وأعضاء الدائرة الداخلية لـقوات القيادة العامة في فندق ريكسوس بطرابلس في 26 مارس من العام الماضي.
فيلق عسكري للمنطقة الغربية فقط؟
لكن أمام التحفظ الليبي على تشكيل قوات مشتركة أو عقد مؤتمرات في غيابهم وعدم التحمس لمثل هذه المبادرات الأمنية التي يصفها البعض بـ«المشبوهة»، تغيرت الخطة بسعي واشنطن لتشكيل فيلق من قوات المنطقة الغربية فقط.
ولاستقطاب مواقف مؤيدة وجهت دعوة إلى الجيش في طرابلس للمشاركة في مناورات «الأسد الأفريقي» 2024 في المملكة المغربية،
فقد زار مسئولون عسكريون ممثلون عن القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا «أفريكوم» ليبيا أخيراً لهذا الغرض، كما زار أخيراً الملحق العسكري للولايات المتحدة ليبيا وأعضاء الملحقية عدداً من الوحدات العسكرية في مدينتي مصراتة والخمس.
زيارات أميركية للخمس ومصراتة
والتقى الملحق العسكري الأميركي والوفد المرافق له آمر بعض العسكريين في مدينة مصراتة، كما قام الوفد الأميركي بزيارات لعدد من القواعد العسكرية في الغرب الليبي، طبقا لبرامج تخص وزارة الدفاع الأميركية، على خلفية الترويج لحلول عناصر من الشركة الأمنية الأميركية «أمنتوم» في ليبيا والذي قيل أنه جرى بموجب اتفاق مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة.
هذه التحركات جرى ربطها بقرب تشكيل ما سمي بـ«الفيلق الليبي الأوروبي» في غرب البلاد الذي بدأ الترويج له، في ظل النفوذ العسكري الروسي في المنطقة الشرقية، رغم أن موسكو تشارك في نشاط دبلوماسي بطرابلس بعد أن أعيد فتح سفارتها نهاية فبراير الماضي.
بدوره، أكد المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي الأنباء التي تدور حول ما أشيع عن موضوع الفيلق الغربي، إذ سبقته زيارات لملحق الدفاع الأميركي لعدة مناطق بغرب ليبيا بها كتائب مهمة، وعلى رأسها زيارته للواء 444 قتال حيث كان يتمحور هدفها بشأن توحيد القوات العسكرية تحت حكومة مدنية أو سلطة مدنية تنفيذاً للخطة العشرية التي أقرها الرئيس جو بايدن، ضمن محاولات مواجهة المد الروسي في ليبيا وفي أفريقيا حيث يعتقد الأميركيون أن نقطة الانطلاق للقارة السمراء تبدأ من ليبيا.
ويقول العبدلي في تصريحات نقلتها «يوابة الوسط»، إن هذا التوجه الأميركي – الأوروبي الذي تقف وراءه واشنطن يعتبر حرباً بالوكالة، ولو تطلب الأمر الدخول في مواجهة أميركية مباشرة مع الروس.
6 جماعات عسكرية للفيلق الغربي
وحسب معلومات الباحث السياسي، يتكون الفيلق من 6 ألوية عسكرية، غير أن المدن الأكثر تسليحا في المدن الغربية ترفض المشاركة في هذا التكتل لعدة أسباب، فهم يعتبرون أن الولايات المتحدة تحاول الزج بهم في معركة ليست معركتهم، في وقت يعتبرون أن سياسة واشنطن ساهمت في الفراغ الأمني الليبي وأنه لولا دعمها للانقسام السياسي في ليبيا لما كان هناك تواجد روسي.
كما أن الحليف التركي غير متوافق مع الأميركيين بخصوص الهجوم على أي قواعد تتواجد فيها الروس، لا سيما عقب الاتفاق الذي رعاه الرئيسان التركي والروسي والذي قاد لوقف إطلاق النار، وأي تحرك قد يسبب انهياراً للاتفاق.
ويعتقد مراقبون أن الولايات المتحدة سوف تحاول الزج ببعض الكتائب التي لها توجه ديني، وهو تكرار لسيناريو لما حدث في أفغانستان عندما دعمت واشنطن متطرفين خرجوا من البلاد.
الغرب يواجه موسكو في ليبيا بسلاح الاقتصاد
ويقول مراقبون إن الأمر وصل إلى توظيف الوضع الاقتصادي المتردي في ليبيا، و«هي سياسة ممنهجة من صندوق النقد وواشنطن بالتعاون مع مصرف ليبيا المركزي، لمحاولة التضييق على الروس عن طريق تقييد بيع الدولار أو بيعه بضريبة بنسبة 27%، وهذه الضريبة أثرت على الليبيين».
كما يقول العبدلي. وأشار المحلل السياسي إلى محاولات حصر عملة الـ 50 ديناراً المزورة وإظهار وسائل الإعلام الأميركية هذا الأمر تحديداً والترويج لأن موسكو وراء التزوير.
كما جرى عقد اجتماعات بين مسؤولي المصرف المركزي ومسؤولين فرنسيين، مما أدى إلى تعديل في منظومة النقد الأجنبي وزيادة سعر الصرف «وهو ما سبب معاناة كبيرة لليبيين وبهذه الطريقة يحاول الأميركيون والأوروبيون كبح نفوذ روسيا ومحاصرتها»، حسب العبدلي.
وتحدثت بعض التقارير عن تخصيص ميزانية الفيلق الجديد في غرب ليبيا من الأموال المجمدة بالخارج، مع اتجاه لفك الحظر على هذه الأموال ببعض الدول الغربية بالاتفاق مع محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير. في المقابل، يقول متابعون إن مدن غرب ليبيا «أكثر ذكاء من أن يجري الزج بها في أي مناوشات أو حروب».