سلط تقرير منشور للمعهد الملكي للشؤون الدولية، على أن انهيار الجهاز الأمني في أعقاب أحداث 17 فبراير عام 2011 في سبها إلى توسّع سريع لشبكات التهريب البشر في ليبيا، وهو ما يشبه تحوّل الظاهرة إلى “قطاع أعمال قائم في حدّ ذاته“ نوعاً ما.
وارتفع عدد المهاجرين الذين دخلوا إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط من حوالي 28,500 مهاجر في عام 2011 إلى ما يقرب من 163,000 مهاجر في عام 2016.
وكشف التقرير، أن أغاديز في شمال النيجر وسبها في جنوب ليبيا، يعدان مراكز عبور على طول نفس طريق تهريب البشر العابر للحدود الذي يربط غرب أفريقيا بالساحل الليبي وأوروبا.
وأضاف، أن أغاديز وسبها كلاهما مدينتان صحراويتان، وتبعدان عن بعضهما حوالي 1300 كيلومتر، ولكل منهما ميزات جغرافية مماثلة.
وأوضح، أن كلتا المدينتين من المراكز التجارية التاريخية في الصحراء الكبرى، وقد شعر سكانها تاريخياً بالتهميش من قبل الحكومات في عاصمتيهما.
وتسأئل، لماذا يرتبط تهريب البشر والاتجار بهم بشكل أوثق بالعنف في سبها مقارنة بما هو عليه في أغاديز؟
وأشار إلى تقارير واسعة النطاق عن إساءة معاملة المهاجرين واندلاع نزاعات عنيفة محلية، مع كون التنافس على السيطرة على التهريب سمة بارزة، مثل هذه الانتهاكات أكثر متفرقة في أغاديز، على الرغم من أن الحركة البرية للمهاجرين أصبحت أكثر خطورة في أعقاب حملة قمع تهريب.
وأكد، أن الظروف المحلية تقلَّبت لتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر في كل من أغاديز وسبها بشكل كبير خلال العقد الماضي.
وقد سُمِحَ لمواطني الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالسفر بدون تأشيرة إلى الحدود الليبية، وإن لم يكن إلى ليبيا نفسها، وفي هذا الوقت، كانت تكاليف عبور البحر الأبيض المتوسط من ليبيا قد انخفضت بشكل كبير، مما ساهم في خلق بيئة متساهلة للسفر عبر النيجر، وأدّى إلى زيادة الهجرة غير النظامية عبر أغاديز إلى سبها.
وفي كلّ من سبها وأغاديز، أصبح قطاع التهريب مصدراً مهماً للإيرادات، ففي خِضمّ الضائقة الاقتصادية الأوسع نطاقاً في ليبيا، شكَّلَ قطاعُ التهريب مصدراً مربحاً للدخل، خاصة بالنسبة للأجيال الشابة التي ترى أن هناك بدائل محدودة لكسب الرزق.
وقد تمتَّعت أغاديز بازدهار تجاري بفضل عائدات التهريب، إذ أكد تحليلٌ سيصدر قريباً عن تشاتام هاوس أنّ الفترة 2011-2016 شهِدت توسُّعاً حضرياً كبيراً وزيادة في الكثافة السكانية.
وقد دفعت هذه التطورات صانعي السياسات الأوروبيين إلى اتخاذ بعض الإجراءات، وبسبب المخاوف من “أزمة المهاجرين” التي أخذت تنمو، دفع صانعو السياسة الأوروبيون إلى سنِّ قانون لتجريم التهريب في النيجر وانخرطوا في سلسلة من المساومات قصيرة النظر مع السلطات الليبية بهدف الحدّ من تدفّق المهاجرين.
عند النظر إلى السياق الأوسع داخل المدينتين، تبرُز الاختلافات بينهما. فقد أدّت النزاعات المحلية إلى تطوّر قطاع الأمن التنافسي في سبها، وهو ما لا ينعكس في أغاديز. وهذا هو الفرق الأساسي ذو الصلة بين الموقعين.
وفي ظلّ غياب قوات الدولة “النظامية”، فإنّ الجماعات المسلحة في سبها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدوائر الاجتماعية، ويُنظر إليها عموماً على أنها تتصرف لصالح المجتمع أو، في أغلب الأحيان، بدافع المصلحة الذاتية. والأهم من ذلك، فإنّ السيطرة المادية للجماعات المسلحة على الأراضي، بما في ذلك من خلال الحفاظ على نقاط التفتيش والبنية التحتية ومراكز الاحتجاز، تخلق بيئة تتَّسِمُ بالطابع الأمني ويجري ضبطها على أساس مجتمعيٍّ للكثير من النشاط الاقتصادي الذي يحدث – سواء كان مشروعاً أو لم يكن. وفي هذا السياق فإن تهريب البشر والاتجار بهم ليس استثناءً من ذلك.
وشدد، على أنه إذ يتعيّن على المهرِّبين في المدينة دفع رسوم “حماية” من أجل العمل، كما يجري فرضُ ضرائب على المهرِّبين في المدينة من أجل التنقل عبر نقاط التفتيش التي تديرها الجماعات المسلحة المحلية، وفي أعقاب محاولات التضييق على ممارسات التهريب نتيجة لضغوط صانعي السياسات الأوروبيين، تفتّتت أسواق الحماية هذه وتحوّلت إلى ممارساتٍ أكثر قسراً مثل العمل سُّخرة والفدية.
وفي النيجر، كان لأغاديز علاقة أكثر فاعليّة مع السلطة الحاكمة في نيامي طوال هذه الفترة. وقد استُخدمت الحصص في التمثيل الحكومي ولامركزية الوظائف الإدارية لاسترضاء الأقليات، مثل الطوارق. الأهم من ذلك، عدم وجود بيئة أمنية تنافسية مماثلة لسبها في أغاديز. وفي حين أنَّ جماعات الجريمة المنظّمة تعمل داخل الإقليم، كما أن الإجرام موجود، إلّا أن مستوى العنف بين هذه الجماعات محدود نسبيّاً، كما أن تهريب المهاجرين يجري بدرجات متفاوتة من التواطؤ المباشر وغير المباشر من قِبل الدولة.
وأكد التقرير، أنه تم اكتُشاف مقبرة جماعية تحتوي على 65 جثة مهاجر في جنوب غرب ليبيا، ويُعتقد أن الذين قضوا هناكَ قد لقوا حتفهم أثناء عبورهم الصحراء، ولئن كان بعض الأثر الاقتصادي لانهيار صناعة التهريب قد تقلّص من خلال تَسارُع وتيرة التهافت على الذهب في معظم أنحاء النيجر، إلّا أنَّ آلاف الأُسَر التي كانت تستفيد من اقتصاد الهجرة فقدت مصدراً مهماً للدخل.
كما ازدادت أعمال اللصوصية في جميع أنحاء شمال النيجر في السنوات الأخيرة، وهي ترتبط بتزايُدِ وجود العناصر المسلحة من جنوب ليبيا وتشاد الذين يسافرون إلى النيجر للانخراط في أنشطة عدوانية واستغلالية. ومع ذلك، يبقى السياق أكثر هدوءاً بكثير مما هو عليه في ليبيا.
يمكن ملاحظة أنّ النزاع العنيف يكمُن في صميم درجات العنف المتفاوتة التي تظهر في ممارسات تهريب البشر والاتجار بهم في أغاديز وسبها.
على سبيل المثال، إنّ دوافع هذا النزاع هي في المقام الأول محلية المنشأ في سبها، وهي نابعة من نزاعات الحكم المستمرة على المستويين المحلي والوطني، التي ترتبط بدورها بالتوترات بين الجماعات، وهي التوترات التي ما تزال بِلا حلٍّ داخل سبها عقب أحداث 17 فبراير عام 2011.
أمّا في أغاديز، فقد كانت تدابير تجريم الهجرة والحد منها التزاماً بأولويات السياسة الأوروبية هي التي أدّت إلى مزيد من الوفيات بين المهاجرين، بينما فاقمت من التوترات داخل المجتمع المحلي وزادت من العنف الذي يتعرّض له المهاجرون.