سلطت صحيفة العربي الجديد القطرية الضوء على استقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، السنغالي عبد الله باتيلي، في منتصف الشهر الماضي، موضحا أنها تأتي في خضم تصاعد التجاذبات الإقليمية والداخلية بشأن الأزمة الليبية، وفشل المبادرات الهادفة إلى إجراء انتخابات عامة تنهي حال الانقسام والتشظي المؤسّساتي التي تشهدها البلاد منذ عام 2014.

 

وأفادت الصحيفة، في تحليل لها، أن باتيلي، حمّل في إحاطته بشأن الاستقالة، مسؤولية الفشل الذي آلت إليه مساعيه في جمع الفرقاء الليبيين حول طاولة المصالحة الوطنية، وإنهاء انقسام السلطة التنفيذية، وتنظيم انتخابات عامة، إلى ما سماها “الأطراف المؤسّسية الفاعلة الرئيسة”، التي تعاملت مع محاولاته بـ “لامبالاة” بمصالح الليبيين، و”إصرار على تأخير الانتخابات”.

 

وتطرقت الصحيفة أيضا، إلى اتهام باتيلي لحكومة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الأعلى للإخوان المسلمين “الدولة الاستشاري” محمد تكالة، بعرقلة تنظيم الحوار، كما اتهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح باحتكار السلطة التشريعية، لا سيما أن المجلس انتهت ولايته.

 

أما بخصوص المواطن الأمريكي خليفة حفتر، فرأى باتيلي أنه يضع شرطاً لمشاركته إما دعوة حكومة البرلمان، أو إلغاء دعوة الدبيبة، أي استبعاد الحكومتين”؛ وهو الشرط الذي يراه باتيلي غير واقعي، إضافةً إلى أنّ من شأن “تخصيص مقعد منفصل على الطاولة لحكومة البرلمان أن يضفي الطابع الرسمي على الانقسامات في ليبيا.

 

وبحسب الصحيفة، جاءت استقالة مبعوث الأمم المتحدة باتيلي على خلفية ظروف سياسية وأمنية واقتصادية معقدة تتقاطع فيها الانقسامات الداخلية والتدخّلات الإقليمية والدولية.

 

وبينت أن الأزمة الاقتصادية والمالية لا تمثّل انعكاساً للانقسام السياسي فحسب، بل تُظهر، أيضاً، استشراء المحسوبية والفساد والسلوك الغنائمي الذي يطبع تعامل مختلف الأطراف مع المال العامّ في ضوء ضعف أجهزة الرقابة وهيمنة بعض الجهات النافذة على حركة الأموال وعلى المشاريع التي تموّلها الدولة، على غرار تكليف نجل خليفة حفتر بإدارة صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، وتحصينه من الرقابة والمحاسبة.

 

ووفقا للصحيفة القطرية، لا تقتصر أسباب الفشل في تحقيق المصالحة الوطنية والتوافق على حكومة موحّدة وتنظيم انتخابات عامة على ما أسماه باتيلي “التعنّت” و”المقاومة العنيدة” و”اللامبالاة بمصالح الشعب الليبي”، التي أبدتها الأطراف الرئيسة، بل تتعدّاها إلى ما وصفه، في إحاطته، بـتحوّل البلاد إلى “ساحة يحتدم على أرضها التنافس بين الأطراف الإقليمية والدولية المدفوعة بمصالح جيوسياسية وسياسية واقتصادية”.

 

ومثّل التدخّل العسكري الأجنبي في ليبيا، وخاصة ملف المرتزقة، وفقا للعربي الجديد، أحد مشاغل باتيلي خلال مدة عمله في البلاد، سواء بعقد اجتماعات متكررة مع الأطراف المحلية لحثّها على إنهاء ارتباطها بالمقاتلين الأجانب، أو بالتواصل مع المنظمات الإقليمية، من قبيل الاتحاد الأفريقي، ودول الجوار، مثل السودان والنيجر وتشاد، التي يفد منها جزءٌ من المرتزقة المنخرطين في الصراع الليبي؛ من أجل “إطلاق آلية تبادل للبيانات لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب”، غير أنّ هذه المساعي لم تسفر عن نتائج.

 

وذكرت الصحيفة أن التدخّل الروسي في المشهد العسكري والأمني الليبي بدا جليّاً خلال الحرب التي شنّها حفتر على العاصمة طرابلس والمنطقة الغربية؛ عامَي 2019 و2020، من خلال انتشار مرتزقة فاغنر في بعض الجيوب في المنطقة الوسطى ومحاور القتال جنوب العاصمة طرابلس، ومشاركتهم في المعارك، إلى جانب قوات حفتر، وأخذت تتعاظم احتمالات زيادة الحضور العسكري الروسي المباشر في ليبيا أخيراً مع تواتر أنباء عن إنشاء تشكيل عسكري روسي جديد تحت مسمّى “فيلق أفريقيا” يكون بديلاً من قوات فاغنر، وراجت معلومات عن استخدام تركيا مرتزقة سوريين من الجهة المضادّة.

 

ولفتت إلى وجود تقارير تتحدّث عن انطلاق عمليات ندب وتجنيد مقاتلين يراوح عددهم بين 40 و45 ألف مقاتل، بينهم عناصر من “فاغنر”، مع إمكانية ضم مقاتلين من سورية وأفريقيا، بإشراف نائب وزير الدفاع الروسي، منذ أواخر 2023، ومن المتوقّع اكتمال تشكيل هذا الفيلق بحلول منتصف عام 2024، لينتشر في خمس دول أفريقية، هي ليبيا والنيجر ومالي وبوركينافاسو وأفريقيا الوسطى، على أن تكون ليبيا مقرًا لقيادته.

 

ورأت الصحيفة أن استقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، تُعدّ فشلاً جديداً لمساعي المنظمّة الدولية في حلّ الأزمة الليبية، وليعود المشهد الليبي إلى حالٍ من الانقسام أشد ممّا كان عليه حين تسلّم باتيلي مهمّاته، وتدفع جلّ المؤشرات إلى توقّع أن تكون مهمّة خلفه أشد صعوبة؛ وذلك لافتقار البعثة ورئيسها إلى أيّ آلياتٍ ملزمة لتنفيذ قراراتها، ولتصاعد وتيرة التدخل العسكري الأجنبي، وتحوّل ليبيا إلى مركز رئيس متقدّم لانتشار “الفيلق الأفريقي” الروسي في القارة، وتواتر تقارير عن تحرّك أمريكي وأوروبي

مقابل في المنطقة الغربية؛ على نحوٍ يضع ليبيا في قلب صراع النفوذ بين القوى الدولية الكبرى، بكلّ مخاطره وتداعياته الأمنية والسياسية على البلاد والمنطقة عموماً.

Shares: