دعا مارتن لونغدن سفير المملكة المتحدة المجتمع الدولي إلى الوقوف بجانب دولة ليبيا الشقيقة،
ولا ينبغي لأصدقاء ليبيا في المجتمع الدولي أن يتملَّكهم اليأس، وإنَّما يتعيَّن علينا بدلاً من ذلك أن نضاعفَ جهودنا الجماعية لكي نصبح قوة إيجابية،
وذلك لأنَّ ما يحدث هنا في ليبيا لا يهم الشعب الليبي فقط وانما يهم المجتمع الدولي كله.
وأشار لونغدن في مقال بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، أن ليبيا تقع على مفترق طرق استراتيجي، وهي دولة متوسطية على الجانب الجنوبي من أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
إلا أنَّها أكثر من ذلك بكثير؛ فليبيا، التي تشترك في حدودها مع ست دول أفريقية أخرى تُعد كذلك بوابة إلى تلك القارة الهائلة.
علاوة على ذلك، فإنَّها جزء لا يتجزأ من العالم العربي الأوسع، وعليه، فإنَّ ليبيا قوية ومزدهرة ستكون بمثابة رصيد بالغ الأهمية بالنسبة لمحيطها،
وفي المقابل، نجد أنَّ ليبيا التي تعاني حالة من الاضطراب والانقسام والضعف تنطوي على مخاطر ومشكلات لجميع جيرانها.
وأضاف قائلاً ” من نواحٍ عديدة، تبدو ليبيا اليوم في مكان أكثرَ إشراقاً عن ذي قبل؛ فقد انتهى القتال المدمّر الذي عصف بالبلاد بعد عام 2011 منذ أكثر من 3 سنوات،
وانحسرت التهديدات الصادرة عن الجماعات الإرهابية إلى حد كبير. كما تشهد البلاد ازدهاراً للأعمال والنشاط التجاري، مع عودة الشركات العالمية تدريجياً،
وهي أمور جديرة بالاحتفاء بها. ورغم ذلك، نجد أنَّ الركائز الأساسية للاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أقل قوة؛ فالحياة الطبيعية اليوم هشَّة بالفعل،
في الوقت الذي تعاني فيه الدولة الليبية الانقسام والضعف، وتستهلك ثروات البلاد على نحو غير مستدام”.
وتابع “في قلب هذا الخلل تكمن السياسة الليبية المتنازَع عليها، التي تُعد في حد ذاتها نتاجاً لعقد عصيب عايشته البلاد.
ومن الضروري إيجاد حل عام وشامل لهذه النزاعات للتعامل مع جميع التحديات التي تواجهها ليبيا اليوم،
ومن جهتي، أسمع مباشرة من الليبيين، في مختلف أنحاء البلاد، عن إحباطهم من أنَّ العملية التي تقودها الأمم المتحدة لم تحقق بعد الحكمَ الديمقراطي الشفافَ والفعال الذي يستحقونه.
ويرغب هؤلاء الليبيون في أن تصبحَ أصواتهم مسموعة”.
وأشار إلى أنَّه إذا تعثرت العملية السياسية، فهذا ليس بسبب القصور في عملية الأمم المتحدة،
وإنَّما لأنَّ الكثير من أولئك الذين يتمتَّعون بالنفوذ الأكبر داخل ليبيا ما زالوا غير مقتنعين بالحاجة إلى التعاون معاً بشكل بناء،
وبوجهٍ عام، يبدو مستوى الثقة بين الأطراف المعنية ضئيلاً،
والرغبة محدودة في الإقدام على تنازلات صعبة، ولعلَّ الأمرَ الأكثر جوهرية هنا أنَّ هذه الأطراف ترى أنَّ الوضعَ الراهن مقبولٌ على نطاق واسع،
وأنَّه سيستمر في حماية مصالحهم بشكل أفضل مقارنة مع عملية سياسية أكثر تعقيداً،
بما تنطوي عليه من شكوك. إلا أنّني أعتقد، مع كامل الاحترام، أنَّ هذا خطأ فادح.
وأكد قائلاً “تتحمَّل ليبيا تكاليفَ باهظة بالفعل جراء المأزق السياسي الراهن.
وبوصفها دولة ذات دخل متوسط، ينبغي لشعب ليبيا أن يتمتَّع بحياة أفضل مما يعيشه الآن.
ومع ثروتها الهائلة، ينبغي لليبيا أن تضطلع بدور رائد في بناء مسارات نحو تنمية جديدة.
وكما تفعل الدول الأخرى الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، ينبغي استثمار الموارد الليبية في مشروعات وتقنيات جديدة: من الطاقة المستدامة والبنية التحتية إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات الإلكترونية والتعليمية والصحية والمالية.
ولا ينبغي أن يكون هناك حدود لطموح ليبيا، إذا ما أطلقت العنان للإمكانات الكاملة لشعبها الاستثنائي،
إلا أنَّه، بدلاً من ذلك، يجري استهلاك الثروة الليبية – عبر الرواتب الحكومية، والدعم، والتهريب، والفساد – ببساطة لضمان البقاء فحسب، في حين يتقدَّم منافسو ليبيا إلى الأمام طوال الوقت”.
واستكمل: أنه من دون الاستقرار الذي سيجلبه الحل السياسي، من غير المرجح أن يتغير هذا الواقع. وحتى لو كان هذا النموذج القائم مرغوباً من جانب البعض
، فإنَّه من غير الممكن أن يكون مستداماً، خاصة إذا بدأت الأسعار العالمية للنفط في التراجع، لذا، فقد حان الوقت لإجراء التغيير،
بينما لا يزال من الممكن القيام بذلك، وينبغي التنبّه لأنه كلما طال أمد هذا الوضع الراهن، زادت صعوبة الانتقال إلى وضع أفضل.
واختتم “بطبيعتهم، يتحلَّى الدبلوماسيون بالتفاؤل، لكن هذا لا يعني أنَّنا ساذجون.
من المؤكد أنَّ التفاوض حول ميثاق سياسي جديد في ليبيا،
وتوحيد البلاد، أمر صعب وبطيء وفوضوي.
وسيتطلَّب الأمر كذلك من قادة ليبيا أن يتحلوا بالشجاعة، وأن يقوموا بتسويات قد تكون غير مريحة في بعض الأحيان.
إلا أنَّ الجائزة هي ليبيا موحدة وذات سيادة وقوية ومزدهرة تحقق أخيراً الطموحات التي أثارت حماسة البلاد،
عندما طوت صفحة الديكتاتورية عام 2011 – تستحق هذا الجهد وأكثر” وفق تعبيره