بدأت فرنسا حراكا واسعا في ليبيا بهدف إقناع الفرقاء السياسيين بالتوصل إلى تفاهمات حول الانتخابات المتعثرة في البلاد منذ سنوات، في مسعى جديد من باريس لاستعادة دورها في ليبيا، خاصة بعد خسارة نفوذها في منطقة الساحل الأفريقي.
ويقود هذا الحراك الثنائي السفير الفرنسي في ليبيا، مصطفى مهراج، والمبعوث الخاص للرئيس إيمانويل ماكرون، بول سولير، اللذان يجريان مباحثات مكثفة مع أطراف الأزمة الليبية.
وأشاد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بعد لقاء مع المبعوث الخاص لماكرون، بـ “دور فرنسا المحوري في دعم ليبيا”، وأكد تطلعه “لمواصلة التنسيق معها بشأن التحضير للانتخابات ودعم الاستقرار في البلاد”.
وبحسب بيان لمكتب المجلس الرئاسي، فإن سولير أبلغ المنفي برسالة من ماكرون أكد فيها استمرار اهتمام فرنسا بالملف الليبي.
ويرى كثيرون أن تحرك فرنسا في ليبيا في هذا التوقيت بالذات جاء بعد فقدان البلاد لدورها التقليدي في منطقة الساحل المجاورة لليبيا، حيث بات عليها تعويض تلك الانتكاسات بالانفتاح على طرابلس.
وذكرت مجلة “أفريكا أنتليجنس” أن المشاورات التي تجريها فرنسا مع الفرقاء الليبيين تهدف إلى إطلاق عملية تنظيم الانتخابات عبر إيجاد حلول توافقية من شأنها إخراج ليبيا من الوضع السياسي الراهن.
وقال المحلل السياسي الفرنسي جيروم بونيه إن “تأثير فرنسا تراجع في السنوات الماضية، وهي تسعى الآن إلى استعادته عبر الأدوات الدبلوماسية والسلمية”.
وأضاف بونيه لـ “إرم نيوز” أن “الكرة الآن في ملعب الفرقاء الليبيين الذين أصبحوا أمام خيارين، إما المضي قدمًا في التوصل إلى تفاهمات برعاية فرنسية وأممية لوضع حد للانسداد السياسي، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه”.
وشدد على أنه “لا يمكن التكهن بما سيختاره هؤلاء الفرقاء الذين لطالما سعوا إلى إطالة أمد الأزمات”، وفق رأيه، مؤكدًا أن ليبيا بالنسبة لفرنسا “مهمة جدًا، سواء من حيث الشركات الناشطة هناك أو من حيث الأهمية الإستراتيجية، إذ هناك تنافس قوي مع روسيا وتركيا حولها في وقت تفقد فيه بلادنا دورها تدريجيا في أفريقيا”.
وفشل المبعوث الأممي عبد الله باتيلي في إقناع الليبيين بتنظيم طاولة خماسية يتم فيها حسم الخلافات حول تنظيم الانتخابات بعد رفض البرلمان لها، إثر عدم دعوة الحكومة المدعومة منه، ومقرها في الشرق الليبي.
ورأى المرشح الرئاسي الليبي سليمان البيوضي أن “الحراك الفرنسي الراهن في ليبيا يمكن اعتباره اجتهادات مهمة من دولة تملك حق النقض، الفيتو، في مجلس الأمن الدولي، لكن، هل سيؤدي إلى نتيجة فعالة؟ هذا أمر يصعب التكهن به، ونحن نراقب إلى ماذا سيؤدي هذا الحراك”.
وتابع البيوضي في حديث لـ “إرم نيوز” أنه “في ليبيا حاليا، الأدوار الدولية والإقليمية نسبية وفقًا لضرورات الوضع في كامل الإقليم مع انعكاس مباشر لحالة التنافس بين الدول الكبرى وما يرتبط بالمستقبل اقتصاديا وأمنيا”.
وبين أن “ليبيا جزء من خريطة المستقبل، وهي إحدى نقاط الاتفاق والاختلاف، وكل الدول دون استثناء تخشى على مصالحها في ظل التغيير السياسي والاجتماعي الذي يسير فيه الليبيون بإرادتهم أو بفعل عوامل الفشل الذي صاحب التغيير في 2011، ولذا لا يمكن استشراف المستقبل بالأدوات ذاتها، ولذلك فإن الأدوار نسبية لجميع الدول في الوقت الراهن”.
وإثر قيادتها حلف شمال الأطلسي لإسقاط النظام في 2011 فقدت فرنسا تأثيرها في الملف الليبي لصالح قوى أظهرت التزاما وتصميما على الحضور في المشهد الليبي، أبرزها تركيا وروسيا وإيطاليا.