مؤسسة حقوق الإنسان – لاتزال معاناة النازحين والمهجرين قسراً مستمرة جراء عدم وضع إستراتيجية وطنية شاملة لمعالجة أسباب النزوح والتهجير للسكان المدنيين،
ووضع آليات وضمانات أمنية لعودة النازحين إلى مناطقهم ومدنهم، وصرف المساعدات الإنسانية وجبر الضرر وإعادة تهيئة الظروف الملائمة لعودتهم إلى مناطقهم ومدتهم
وتوفير الخدمات الأساسية والإنسانية لهم، وبرغم من مضي أكثر من ثلاثة عشر سنة على هذه المعاناة الإنسانية التي يعيشها النازحين إلا أن السلطات الليبية والحكومات المتعاقبة
لم تولى هذا الملف الإنساني الأهمية التي يستحقها وبقي ملفاً مهمل مما فاقم من معاناة النازحين وأعدادهم، وفي سنة 2023م قامت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة
بإلغاء وزارة الدولة لشؤون النازحين والمهجرين وحقوق الإنسان، في خطوة يراها النازحين والمهجرين والمنظمات الحقوقية والعاملة في ميدان العمل الإنساني
بأنها استخفاف من قبل حكومة الوحدة الوطنية بمعاناة النازحين والمهجرين، وعدم إيلاء الأولوية لمعالجة أوضاعهم الإنسانية والمعيشية وإنهاء معاناتهم التي طال أمدها
ومعالجة أسباب نزوحهم، وبرغم من أن مخرجات ملتقي الحوار السياسي الليبي ومؤتمر برلين 1و 2 ركز على أهم الأولويات السياسية والاجتماعية والإنسانية
والتي كان في مقدمتها ملف النازحين والمهجرين قسرياً إلا أن حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة تنصلت من مسؤولياتها القانونيّة والإنسانية إتجاه هذه الفئات الإنسانية الهشة والمستضعفة.
ورصد خلال اليومين الماضيين عقد وزارة الحكم المحلي بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة اجتماعاً وزارياً بحضور عدد من المسؤولين الأمميين المعنيين بالشؤون الإنسانية
والنازحين داخلياً لمناقشة أوضاع النازحين الليبيين في الداخل، واستعراض خارطة الطريق الخاصة بإنهاء معاناة آلاف الليبيين الذين أجبرتهم الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد على ترك منازلهم خلال السنوات الماضية.
وترأس الإجتماع الذي بحث آليات حل مشكلة النازحين، وزير الحكم المحلي “بدر الدين التومي”، وحضره وزير التخطيط، ومدير عام المجلس الوطني للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي،
ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون النزوح، ونائب رئيس البعثة ومنسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية.
وخلال الإجتماع ناقش الحضور التقدم المحرز في معالجة ملف النزوح الداخلي، واستعراض خارطة الطريق الخاصة بإنهاء مشكلة النزوح بشكل نهائي،
واتفق المجتمعون على تشكيل فريق من الفنيين لإعداد الخطة التفصيلية لخارطة الطريق والمباشرة الفورية.
ومن المفترض أن تعمل هذه اللجنة على وضع تصورات لحل أزمة النازحون المنتشرون في كثير من المدن الليبية، حيث يعيش بعضهم في مراكز إيواء
أو مخيمات، أو يستأجر مسكن في أحد المدن ولا يستطيع العودة إلى مسكنه بسبب الخلافات السياسية التي لم تحل حتى الآن.
مئات الآلاف من النازحين و المهجرين قسراً يعيشون ظروفاً معيشية وانسانية صعبة:
ووفقاً لإحصائيات صادرة عن منظمات حقوقية يوجد في البلاد ما يقارب 125 ألف من نازح ليبي من المدن المتضررة خلال النزاع المستمر، فضلاً عما يعادل 40 ألف شخص
نزحوا مؤخرًا من درنة جراء السيول والفيضانات التي اجتاحت مناطق شرق البلاد بحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في ليبيا التابع للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من الرقم سالف الذكر إلا أن جهات حقوقية تقول إن الرقم أكثر من ذلك بكثير حيث وصل إلى نحو 278 ألف شخص وفق تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين،
بينما تقول إحصائيات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ليبيا أنه يوجد 220 ألف نازح لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، وأن أعدادا قليلة فقط هي التي عادت إلى مناطقها نتيجة لقرار وقف إطلاق النار.
معاناة لا تتوقف :
ورغم أن النازحين والمهجرين خرجوا من منازلهم منذ فترات طويلة، وتوقفت العمليات المسلحة في البلاد إلا أن تقارير لمنظمة الصحة العالمية أن واحدا من بين سبعة ليبيين
هم في حاجة إلى رعاية نفسية جرّاء الحروب والأزمات الأمنية والسياسية، والتي زادت بسبب الأحداث التي عاشتها البلاد عقب انتهاء فترات الصراع خصوصا وباء كورونا وإعصار دانيال.
ووفق تقارير حقوقية فإن هؤلاء النازحون يواجهون ظروفا معيشية قاسية، لا تقف عند حد نقص الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والسكن الملائم،
ولكنها تصل إلى حد التشتت العائلي، وانفصال بعض أفراد البيت الواحد عن بعضهم البعض، نتيجةً لحالة النزوح وما ترتب عليه من ضروف إنسانية قاهرة.
وتنحصر المدن والمناطق التي نزح منها النازحين والمهجرين قسراً وهي : ” تاورغاء، و مرزق و سرت و بنغازي و ترهونة، و غريان، ومؤخراً درنة ”
نازحو تاورغاء و مرزق :
ويعيش قرابة 8500 ألف وخمس مائة نازح من مدينتي تاورغاء ومرزق في معاناة إنسانية لا تتوقف ومتفاقمة، حيث تطالب منظمات حقوقية بضرورة جبر ضرر هؤلاء النازحين والمهجرين،
و العمل على إنهاء مأساتهم ومعاناتهم الإنسانية، وتمكينهم من العودة لمنازلهم وتعويضهم عن فترات الشتات، مؤكدة أن محاولات المصالحة التي تناولت أوضاع هؤلاء النازحين
لم تنجح بسبب عدم حماية السكان من المجموعات المسلحة في ظل غياب برامج إصلاح القطاع الأمني في البلاد، وكذلك في غياب الضمانات الأمنية اللازمة للحيلولة دون وقوع أي أنتهاكات جديدة بحقهم.