فاغنر” ولكن بشكل وبمهام مختلفة وربما أكثر تأثيرا على ليبيا وبقية الدول الإفريقية.. هكذا وصف خبراء الفيلق الإفريقي الذي تعتزم روسيا تشكيله، بحسب تقرير لصحيفة “فيدوموستي” المحلية، كبديل لمرتزقة “فاغنر” العاملة في دول إفريقية، بينها ليبيا.
وفي ليبيا، ينشط عناصر “فاغنر” في مدينة سرت (450 كلم شرق العاصمة طرابلس)، حيث يتمركزون في قاعدة “القرضابية” الجوية ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة “الجفرة” الجوية (جنوب)، وقاعدة “براك الشاطئ” الجوية (700 كلم جنوب طرابلس).
وقالت الصحيفة إن موسكو بدأت تشكيل الفيلق ليحل محل قوات “فاغنر”، ومن المفترض أن يكتمل هيكله بحلول صيف 2024، ليكون حاضرا في 5 دول إفريقية.
وأضافت أن الفيلق سينشط في ليبيا وبوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر، وسيتبع مباشرة الإدارة العسكرية، ويشرف عليه الجنرال يونس بك إيفكوروف نائب وزير الدفاع الروسي.
وبجانب تقرير الصحيفة، صدر لاحقا تصريح أمريكي بشأن “الفيلق الإفريقي”، لكن لم تصدر أي إفادة رسمية روسية بخصوصه، ولم تعقب بشأنه السلطات الليبية ولا قائد قوات الشرق الليبي اللواء المتقاعد حليفة حفتر، الذي ربط مراقبون بينه وبين الفيلق الروسي.
ملامح وأهداف الفيلق
الخبير والمستشار العسكري السابق للقائد الأعلى للجيش الليبي عادل عبد الكافي قال للأناضول إن “الخطوات الفعلية لإنشاء الفيلق الروسي الإفريقي بدأت بعد اغتيال مؤسس “فاغنر” يفغيني بريغوجين (تحطم طائرة في أغسطس/ آب الماضي)، واتخذت وزارة الدفاع الروسية خطوات للتفاهم مع حفتر بشأن التعامل مع القيادات الجديدة لفاغنر”.
وأضاف عبد الكافي أن “الدفاع الروسية اتخذت خطوات أخرى لإنشاء الفيلق، بينها أن تكون ليبيا مركزه الرئيس، وتم التفاهم مع حفتر خلال زيارات إيفكوروف المتكررة إلى (مدينة) بنغازي (شرق)”.
وأوضح أن “الفيلق يضم عناصر روسية وسورية وإفريقية؛ نظرا للمهام التي ستوكل إليه، وهي مزيد من التغلغل في إفريقيا تحت مسميات، بينها حماية مواقع البترول والذهب التي استطاعت فاغنر الوصول إليها”.
عبد الكافي تابع: “ومن مهام الفيلق أيضا، تزويد مجموعات من المتمردين داخل الدول الإفريقية بالأسلحة لدعم عمليات التمرد؛ فروسيا انتهجت سياسة الحرب الهجينة على مستويات منها دعم المجموعات المتمردة والانفصالية.. أي الحروب غير التقليدية والتقليدية”.
وزاد بأن “نواة الفيلق هي مجموعات فاغنر، وتم إدماج عناصر منها قيادات الصفين الثاني والثالث داخل الفيلق، بالإضافة إلى مزيد من العناصر، فنحن نتحدث عن قوة لا تقل عن 40 إلى 45 ألف مقاتل، إذ يتكون من فرقتين إلى خمس فرق حسب القدرات القتالية وحجم العناصر”.
و”روسيا لديها الإمكانية لتجنيد مزيد من العناصر، واستراتيجية واضحة وهي التغلغل في إفريقيا والإطاحة بأنظمة كانت موالية للولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين، إذ تسعى إلى إقامة أنظمة أخرى عير دعم عمليات التمرد والانفصال”، كما أردف عبد الكافي.
المقر في ليبيا.. لماذا؟
وقال عبد الكافي إن “روسيا يعنيها التواجد في ليبيا لارتباطها بساحل البحر المتوسط، وهو موقع استراتيجي لإيصال الإمدادات العسكرية والعناصر التابعة للفيلق إلى الدول الإفريقية الأخرى”.
وأضاف أن “ليبيا ممر رئيس، خاصة في ظل تقارير أكدت اتجاه روسيا لإنشاء قاعدة بحرية في مدينة طبرق (شرق) لتكون نقطة تمركز، لتسهيل وصول البوارج والقطع البحرية المحملة بالأسلحة والعتاد ومنظومات الدفاع الجوي”.
وبعد إنشاء القاعدة البحرية، بحسب عبد الكافي، “سيتم الدفع بكل الإمدادات إلى الوسط الليبي الذي أصبحت روسيا تهيمن عليه بشكل كبير من خلال تمركزها في قاعدة الجفرة (وسط) وبعض القواعد والمهابط الترابية في وسط وجنوبي ليبيا”.
وحذر من أن “تواجد الفيلق في ليبيا يشكل مخاطر على دول الجوار؛ فليبيا ستتحول إلى قاعدة انطلاق باتجاه هذه الدول والدفع بالمعدات والأسلحة نحو الدول الإفريقية”.
عبد الكافي شدد على أن “روسيا تعمل على هذه الاستراتيجية بقوة وتستغل الحرب (الروسية) المشتعلة في أوكرانيا (منذ 24 فبراير/ 2022) والحرب (الإسرائيلية) على غزة (منذ 7 أكتوبر/ الماضي).
وتابع: “بتواجده داخل ليبيا سيكون للفيلق تأثير محتمل على الانتخابات المرتقبة ودعم عمليات التمرد، وهو المشهد السائد عبر دعم روسيا لتمرد حفتر.. وحالة التمرد مازلت مستمرة ويستمد حفتر قواته من التواجد الروسي”.
ويتعذر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في البلد الغني بالنفط؛ جراء خلافات سياسية بشأن بعض بنود قوانين الانتخاب، ولاسيما إن كان سيُسمح أم لا لشخصيات عسكرية سابقة ومزدوجي الجنسية (وضع ينطبق على حفتر ) بالترشح لانتخابات الرئاسة.
ومنذ مطلع 2022، توجد في ليبيا حكومتان، إحداهما برئاسة أسامة حماد وكلفها مجلس النواب (شرق)، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة الوطنية (مقرها في طرابلس- غرب)، برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
وشدد عبد الكافي على أن “مشاركة حفتر في الفيلق مهمة جدا نظرا لارتباطه بالتمدد الروسي، وهو يرى أن موسكو هي الحليف الأقوى والأنجح له كي يستمر في المشهد ويواصل السيطرة على المنطقتين الشرقية والجنوبية”.
إنهاء عصر إفريقيا الفرنسية
ووفقا للناشط السياسي وسام عبدالكبير، في حديث للأناضول، فإن “روسيا تسعى بإنشاء الفيلق إلى التغلغل في باقي الدول الإفريقية لإحكام السيطرة عليها عبر تنصيب حكام جدد يراعون المصالح الروسية وإنهاء مصالح الغرب وعصر إفريقيا الفرنسية، وهذا ما شاهدناه في النيجر (انقلاب)”.
وأضاف عبد الكبير، عضو تجمع القوى السياسية لإقليم فزان (جنوب)، أن “التغلغل الروسي يستهدف دولا عديدة، فالمشروع لا يزال في الامتداد وبداية الانتشار؛ لذلك سيساعد الفيلق على إحكام السيطرة الروسية على مصادر الثروات والأنظمة السياسية، لتأخذ روسيا دورا بدعم مهم من حليفها الاقتصادي الصين”.
وتابع: “بحكم موقعها ستصبح ليبيا قاعدة انطلاق للفيلق، باعتبارها بوابة إفريقيا، وسيشكل الفيلق خطرا كبيرا على أوروبا من ناحية ما تبقى من تواجد لفرنسا، مثل وجودها في ساحل العاج والغابون وتشاد وغيرها”.
مصالح روسيا والغرب
المحلل السياسي فرج فركاش قال إن “الدول الغربية وروسيا تسعى لتحقيق مصالحها وتوسيع نفوذها، والفيلق سيكون بمثابة أسفين آخر يستهدف طموحات الشعوب الإفريقية في تحقيق الديمقراطية والاستقلال المنشود”.
وأضاف فركاش للأناضول أن “روسيا تسعى منذ مدة لاستغلال الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأمريكي من إفريقيا، حيث عززت موسكو وجودها في إفريقيا لإيجاد حلفاء لها، خاصة في ظل تزايد الرفض الإفريقي للتواجد الأوروبي.. روسيا تحاول أن تقدم نفسها كدولة مناصرة لاستقلال الدول الإفريقية، بعيدا عن حقبة الاستعمار الأوروبية”.
و”مع تكرار زيارات الروس إلى ليبيا، وأخرها زيارة إيفكوروف، وتركيزها على إنشاء علاقات مع حفتر، يتضح أن موسكو لديها النية في المضي قدما لاستخدام ليبيا كنقطة انطلاق للتمدد في إفريقيا”، بحسب فركاش.
واعتبر أن “حفتر ليست لديه الكلمة العليا بشأن التواجد الروسي في ليبيا، فقد أصبح أمرا واقعا، فبقاء حفتر يعتمد على الحماية الروسية، رغم محاولات واشنطن تحذيره من التقارب مع الروس، وأخرها تحذيرات الخارجية على لسان متحدثها نيد برايس منتصف ديسمبر الماضي”.
وبعد زيارة قام بها إيفكوروف إلى بنغازي، قال برايس إنه لا ينبغي لحفتر أن يعتمد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إنشاء فيلق عسكري روسي في إفريقيا، فمرتزقة فاغنر يُضرون بليبيا، فهم ينهبون البلدان التي يتواجدون فيها، ويعرضون الأمن العام للخطر، ويتسببون في عدم احترام حقوق الإنسان، على حد قوله.