إحاطة الممثل الخاص للأمين العام السيد عبد الله باتيلي أمام مجلس الأمن 18 ديسمبر 2023 النص الكامل
(كما ألقيت)
السيد الرئيس،
أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
منذ إحاطتي الأخيرة أمام هذا المجلس، نشر مجلس النواب القانونين 27 و28 المنظمين لانتخابات مجلس الأمة والانتخابات الرئاسية في الجريدة الرسمية الصادرة في 1 نوفمبر.
للمرة الأولى منذ الإخفاق في إجراء الانتخابات في ديسمبر 2021، أصبح لدى ليبيا الآن إطار دستوري وقانوني للانتخابات اعتبرته المفوضية الوطنية العليا للانتخابات قابلاً للتنفيذ من الناحية الفنية. ومن الضروري لنا أن نبني على هذا الإنجاز المهم.
وكما بينت في إحاطتي الأخيرة أمام المجلس، من أجل التمكين من إجراء انتخابات ناجحة والحيلولة دون تكرار ما حصل في كانون الأول/ ديسمبر 2021، فإنه لا يمكن التغلب على المسائل المتبقية المختلف بشأنها سياسياً إلا من خلال تسوية سياسية بين الأطراف المؤسسية الليبية الرئيسية تكون مبنية على حُسن النوايا.
وتحقيقاً لهذه الغاية، وجهتُ في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر دعوات رسمية إلى رؤساء المؤسسات الرئيسية الخمسة في ليبيا، وهي المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية والجيش الوطني الليبي، لحضور اجتماع في الفترة المقبلة.
إن لهذه الأطراف التي تم اخيارها القدرة إما على التوصل إلى توافق وإحراز تقدم في العملية السياسية أو إطالة الانسداد ومنع ليبيا من إجراء انتخابات سلمية. إن التنافس فيما بينهم وانعدام الثقة فيما بينهم هو أساس هذه الأزمة التي طال أمدها ويقف على الطرف النقيض للوحدة التي يتوق لها المواطنون الليبيون.
وكخطوة أولى نحو عقد اجتماع الأطراف الخمسة الرئيسية، طلبتُ تسمية ثلاثة ممثلين عن كل منها للمشاركة في جلسة تحضيرية للاتفاق على معايير اجتماع القادة الرئيسيين، بما في ذلك موعد الاجتماع ومكانه وجدول أعماله.
يسعدني إفادتكم بأن أياً من هذه الأطراف المؤسسية لم ترفض دعوتي بشكل صريح. ومع ذلك، فقد وضع البعض شروطاً لمشاركتهم:
أبدى المجلس الرئاسي دعماً واضحاً وملموساً، حيث ما فتئ الرئيس المنفي يُبين عن حسن نواياه، وهو يعكف على بحث كل السبل التي تكفل نجاح هذا الحوار. وسأواصل العمل مع المجلس الرئاسي بهذا الشأن.
وضع السيد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، شرطاً لمشاركته بأن يركز على جدول الأعمال على تشكيل “حكومة جديدة تعنى بالانتخابات”، في الوقت الذي يرفض فيه أيضاً مشاركة حكومة الوحدة الوطنية والسيد الدبيبة.
قدم السيد تكالة، رئيس المجلس الأعلى للدولة، أسماء ممثلي المجلس الثلاثة للمشاركة في الاجتماع التحضيري على الرغم من رفضه في البداية لنسختي القانونين المنظمين للانتخابات اللذين نشرهما رئيس مجلس النواب.
قدم السيد الدبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، أيضاً أسماء ممثلي حكومة الوحدة الوطنية. وبينما أعرب عن استعداده لمناقشة المسائل التي تتعلق بقانوني الانتخابات، إلا إنه يرفض رفضاً قاطعاً أية مناقشات حول “حكومة جديدة”.
أعرب قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر عن استعداده للحوار، إلا إنه أعرب عن أن مشاركة حكومة الوحدة الوطنية مشروط بإشراك الحكومة المعينة من مجلس النواب. وبالمقابل، فإنه سيقبل المشاركة إذا تم استبعاد كلا “الحكومتين”.
كما علمتُ باجتماع القاهرة الذي عقد في 16 كانون الأول/ ديسمبر بين رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس النواب وقائد الجيش الوطني الليبي، وأحطت علماً بما أعلن عقب ذلك من تقدير لدور الوساطة الذي تقوم به بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
السيد الرئيس،
وكما ترون، يستمر بعض القادة الليبيون في المماطلة ولا يبدون، في الوقت الحاضر، التزاماً حاسماً بإنهاء الانسداد الذي طال أمده والذي تسبب في معاناة جمة للشعب الليبي.
إن قوانين الانتخابات وحدها لا يمكن أن تجعل الانتخابات أمراً ممكناً ما لم تلتزم الأطراف المعنية بشكل صادق وحقيقي بتنفيذها. إن تشكيل حكومة موحدة تسير بالبلاد نحو الانتخابات، بحسب ما تقتضيه القوانين الانتخابية ورحب به المواطنون من مختلف المشارب، لا يمكن أن يتحقق ما لم تعمل الأطراف الرئيسية بروح التوافق السياسي مع تجديد التزامها بوحدة وطنها. ويجب علينا تفادي تكرار ما حدث في آب/ أغسطس 2022، عندما أدى تشكيل الحكومة بشكل احادي إلى صراع عنيف أدى إلى مقتل العديد من الليبيين.
السيد الرئيس،
بالموازاة مع جهودي التي بينتها آنفاً، وبغية ضمان عملية أكثر شمولاً، أستمر في تواصلي مع شرائح المجتمع الليبي الأخرى بما في ذلك الأحزاب السياسية والأعيان والأطراف الأمنية والمجتمع المدني والمكونات الثقافية والنساء والشباب ومجتمع رجال الأعمال. وقد دعوت أصحاب الشأن هؤلاء لمشاركتنا مقترحاتهم حول كيفية حل المسائل الخلافية المتبقية من خلال عملية سياسية تتسم بالشمول الحقيقي يقودها ويتولى زمامها الليبيون .
وخلال لقاءاتي هذه، تم إبلاغي وبشكل متكرر برسالتين اثنتين على الأقل: المطالبة بشكل أقوى بإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، والتعبير عن الشعور بالعياء والاستياء الشديدين من خداع الطبقة السياسية ولجوئها لتكتيكات إضاعة الوقت.
السيد الرئيس،
بالإضافة للقاءات الثنائية المكثفة مع ممثلين عن الشركاء الدوليين في طرابلس، سافرت إلى الجزائر والمغرب في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وإلى الجمهورية التونسية في مطلع كانون الأول/ ديسمبر سعياً للحصول على دعم هذه الدول للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، وذلك على ضوء زياراتي في وقت سابق من هذا العام لقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة. لا يمكنني أن أقلل من أهمية وحدة الصف الدولي لتعظيم فرص النجاح لهذه العملية.
كما أعرب عن امتناني للدعم الذي تلقيته وأود أن أشكر هذا المجلس على تجديد ولاية البعثة بالإجماع عبر القرار 2702 لسنة 2023 وعلى تأكيد الدعم مجدداً لمساعيّ الحميدة ودور الوساطة الذي أضطلع به.
السيد الرئيس،
شكل غياب المؤسسات الموحدة والشرعية التابعة للدولة والتي تعمل لما فيه منفعة الشعب عاملاً أسهم في حجم الدمار والخسائر الفادحة في الأرواح التي تسببت بها عاصفة دانيال التي اجتاحت مدينة درنة والمناطق المحيطة بها في شهر أيلول/ سبتمبر.
وبعد ما يربو على ثلاثة أشهر من السيول المدمرة، أوصلت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها من منظمات الإغاثة المساعدات الإنسانية لما يزيد على 203 آلاف شخص وهم يواصلون العمل مع السلطات الليبية لضمان الوصول الكامل للمساعدات لكل من يحتاجها دون عراقيل. ومع انتقال أعمال الاستجابة لمواجهة السيول نحو التعافي المبكر وإعادة الإعمار، تتواصل الأمم المتحدة مع السلطات الليبية والأهالي المتضررين وشركاء التنمية بشأن الحاجة إلى آلية وطنية تنسيقية لجهود إعادة الإعمار. وهنا أحث القيادات السياسية في المنطقتين الشرقية والغربية على استلهام حس الوحدة والتآزر الذي أظهره الليبيون منذ بدء أزمة درنة وإنشاء آلية وطنية تنسيقية لإعادة الإعمار بما يخدم مصلحة الأهالي الذين تضررت حياتهم وسبل عيشهم بشكل كبير جرّاء هذه الفاجعة.
السيد الرئيس،
بينما يستمر سريان وقف إطلاق النار، إلا أن الاشتباكات المسلحة المتفرقة وغيرها من الحوادث الأمنية ما تزال تحدث في مختلف المناطق. ففي 29 تشرين الأول/ أكتوبر، اندلعت اشتباكات كثيفة بين فصيلين من فصائل المجموعات المسلحة المحلية في مدينة غريان (التي تبعد 100 كم عن طرابلس) بسبب عودة إحدى الشخصيات العسكرية المحلية التي كانت قد غادرت المنطقة في السابق عقب النزاع الذي اندلع في حزيران/ يونيو 2019. وسرعان ما انتهى الاقتتال، غير أنه أفيد بأنه تسبب في إصابات وخسائر في الأرواح وأضرار في المباني العامة والخاصة. وخلال الأشهر القليلة الماضية، أدى التوسع العسكري في المنطقة الغربية، مع التركيز بشكل خاص على المنافذ الحدودية في رأس جدير وغدامس، إلى زيادة التوتر في المدن المجاورة مثل زوارة (المجاورة لرأس جدير) وغدامس. إن تكرار نمط الحوادث من هذا النوع سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية يؤكد ضرورة الاستقرار الدائم ووحدة المؤسسات العسكرية والأمنية. ويظل الجنوب أرضًا للصيد بالنسبة لمختلف الجماعات المسلحة والمرتزقة ورواد الأعمال غير المشروعة.
وفي الفترة من 7 إلى 9 تشرين الثاني/ نوفمبر، وبمعية الرئاسة المشتركة لمجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن مسار برلين، نظمت البعثة خلوةً للجنة العسكرية المشتركة (5+5) وهي شريك أساسي للبعثة وتتمسك بوحدة ليبيا. بحث الحضور مدى التقدم المحرز في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 2020 فيما جرت مناقشة بنود أخرى من بينها تنفيذ انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من الأراضي الليبية والتي عرقل تنفيذها الانسداد السياسي في ليبيا والوضع المتدهور في السودان والساحل.
السيد الرئيس،
ما يزال القلق يساورني إزاء استمرار تقييد الفضاء المدني والاعتقالات التعسفية، ولا يزال أعضاء أحزاب سياسية وأكاديميون وناشطون يقبعون في الاحتجاز في بنغازي وسرت وطرابلس دون إمكانية الوصول إلى العدالة. فعلى مدى الأشهر التسعة الماضية، احتجزت الجهات الأمنية بشكل تعسفي ما لا يقل عن 60 شخصاً، بينهم أطفال، بسبب انتماءاتهم السياسية الفعلية أو المفترضة، وقد يكون العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. وهذا لا يعد انتهاكاً لحقوقهم الأساسية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تآكل سيادة القانون في ليبيا ويتسبب في تدني ثقة الليبيين في النظام القضائي والعملية السياسية. وهنا أؤكد مجدداً أن الفضاء المدني المزدهر الذي يُسهم فيه الليبيون من خلال الحوار والمعارضة والتفاهم المتبادل أمر بالغ الأهمية للعملية السياسية.
وما تزال حماية المهاجرين واللاجئين واحترام حقوقهم الإنسانية ووضعهم الإنساني مصدر قلق كبير. مرة أخرى، غرق عشرات من المهاجرين وطالبي اللجوء يوم السبت عندما انقلب قاربهم عقب مغادرته قبالة شواطئ شمال غرب ليبيا في وسط البحر الأبيض المتوسط. وأعرب عن تعازيّ الخالصة لأسرهم وأتمنى الشفاء العاجل للناجين. هذا فيما يتواصل طرد المهاجرين واللاجئين على نطاق واسع وعلى نحو جماعي إلى داخل ليبيا ومن ليبيا إلى البلدان المجاورة مع تزداد الظروف السيئة تفاقماً في مراكز الاحتجاز. إن الإبعاد القسري محظور بشكل صارم بموجب القانون الدولي الإنساني ويجب وضع حدٍ له.
السيد الرئيس،
على الرغم من الثروة الهائلة التي تتمتع بها بلادهم، يعاني المواطنون الليبيون بشكل متزايد من صعوبات اقتصادية واجتماعية. ويتردد صدى مطالبهم بإنهاء الفساد وسوء الإدارة عالياً في جميع أنحاء البلاد، حيث تُظهر تقارير البنك المركزي الليبي وهيئات الرقابة الأخرى بوضوح تصاعد الإنفاق العام من خلال إجراءات تثير التساؤلات، في حين أن اللجنة المالية العليا التي أنشأها المجلس الرئاسي لم تباشر أعمالها بشكل كامل بعد.
السيد الرئيس،
أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
في الختام، اسمحوا لي أن أقول إنه باستثناء عدد قليل ممن يشغلون مناصب سياسية وانتهت مدة ولايتهم، والذين يجعلون من البلاد رهينة لطموحاتهم الخاصة، فإن الليبيين من جميع مناحي الحياة يعبرون عن تطلعهم القوي إلى الانتخابات وإلى مؤسسات شرعية وموحدة وإلى السلام والاستقرار ووحدة البلاد. ويبدي قادة المجتمع والأعيان والأحزاب السياسية والمجموعات النسائية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال واللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والجهات العسكرية والأمنية البارزة الأخرى استعداداً تاماً لضمان إجراء انتخابات سلمية وشاملة وناجحة. كما إن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات مستعدة أيضاً من الناحية الفنية لبدء التحضيرات للانتخابات.
إن المناخ الوطني مهيأ الآن للتوصل إلى اتفاق سياسي جديد وإدارة جديدة لمستقبل أكثر إشراقاً للبلاد.
لا يجب السماح لمجموعة واحدة من المسؤولين غير الراغبين في إجراء الانتخابات ممن يتمسكون بمقاعدهم بخذلان الشعب الليبي وتعريض المنطقة لخطر المزيد من الفوضى.
شكراً لكم