مأساة مدينة درنة

ضاعت الأرقام المؤكدة بعد أشهر، رغم المطالبات المتكررة محليًّا ودوليًّا، في زحمة الخلافات السياسية بين سلطات الشرق والغرب الليبي

 

مرت قرابة أربعة أشهر على الإعصار المدمر “دانيال” الذي ضرب عددًا من مدن وقرى شرقي ليبيا يوم 11 سبتمبر الماضي، متسببًا في سيول وفيضانات كبيرة دمرت سدّي وادي درنة شرقي بنغازي، ومخلفًا أضرارًا بشرية ومادية غير مسبوقة.

 

ويرى مدير مركز بيان للدراسات “نزار أكريكش” أن كارثة درنة عمقت الأزمة الليبية “رغم الهبّة الشعبية في البداية ثم المؤسسات المجتمعية والمدنية والهلال الأحمر الليبي والتي أضاعت جهودَها الاستجابةُ الرسمية السيئة”.

 

 

 

وأضاف أكريكش، ل”الجزيرة نت”، أن تدخل الدولةالدولة جاء بعد أكثر من أسبوع من الكارثة، وأن عدم وجود فريق أزمة خارج إطار السلطات القائمة جعل الأزمة أزمتين/ أولاهما أن الإدارة الحكومية الضعيفة نفسها تريد إدارة أزمة عاجلة، والثانية انقسام يتنافس فيه الساسة لتبييض صورتهم أمام الرأي العام واكتساب المزيد من الشرعية”.

 

ويرى المتحدث ذاته أنه بعد المظاهرات الغاضبة التي خرجت في درنة محملة رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” المسؤولية ومطالبة باستقالته، تعقدت الأمور وأخذت طابعًا سياسيًّا.

 

 

 

وأضاف أن هذا “عزز الانقسام، فبدأ كل طرف ينافس ويعيق الطرف الآخر، ودخلت الأزمة في حلقة مفرغة أدخلت الملف في دواليب الدولة الفاشلة، واختفى عنصر السرعة والفاعلية الذي هو جوهر أي استجابة لمثل هذه الأزمات”.

 

وما زالت السلطات في شرقي ليبيا تصر على تسجيلها 4200 قتيل فقط، رغم تقديرات غير رسمية تفيد بأن عدد القتلى الحقيقي يتجاوز هذا الرقم بكثير، كما أكد جهاز الإسعاف والطوارئ بطرابلس في عدة مناسبات أن حصيلة القتلى الحقيقية لفيضانات مدينة درنة وما جاورها تجاوزت 16 ألفًا.

 

أما الأمم المتحدة فأعلنت وفاة أكثر من 4 آلاف شخص، إلى جانب 8 آلاف في عداد المفقودين، ونزوح 43 ألف شخص، في إحصائية غير محدثة.

 

والجدال زادت حدّتَه استقالةُ المتحدث باسم اللجنة العليا للطوارئ لحكومة الشرق “محمد الجارح” في مؤتمر صحفي مباشر آنذاك ؛ بسبب ما وصفه باستحالة المهمة والعجز عن إيصال المعلومات الدقيقة للمواطنين ليؤكد بعدها أحمد المسماري المتحدث باسم “خليفة حفتر” مجددًا أن عدد الوفيات لا يتجاوز 4100، رغم تأكيدات منظمة الصحة العالمية وفاة 4255 وأكثر من 9 آلاف مفقود خلال الأسبوع الأول للكارثة.

 

وضاعت الأرقام المؤكدة بعد أشهر، رغم المطالبات المتكررة محليًّا ودوليًّا، في زحمة الخلافات السياسية بين سلطات الشرق والغرب الليبي، التي عجزت عن تشكيل لجنة طوارئ مشتركة لإدارة الأزمة، ليظل عدد المفقودين والمنتشلين مجهولًا، في “سابقة لم تحدث في سائر كوارث العالم”.

Shares: